الانتخابات البلدية والاختيارية 2025

نقاط على الحروف

مورغان أورتاغوس: العنجهية الأميركية بدون قناع! 
20/04/2025

مورغان أورتاغوس: العنجهية الأميركية بدون قناع! 

 

في زيارتها الأولى إلى لبنان في شهر شباط/فبراير من العام الحالي، حضرت مورغان أورتاغوس، نائب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، بكامل عدّة العنجهية الأميركية، كي تُملي على اللبنانيين ما يتوجّب عليهم فعله في الشؤون الداخلية كافة، من العمل السياسي والإداري إلى ربط السماح بإعادة الإعمار بتنفيذ لبنان لشروط بلادها ومنها نزع سلاح حزب الله. عبّرت أورتاغوس بهذه الصلافة عن رغبات وأوامر إدارتها بدون أيّ اعتبار لبروتوكولات النشاط الدبلوماسي ولو على سبيل مراعاة الحدّ الأدنى من مظاهر احترام السيادة الوطنية، وصرّحت من على منبر القصر الجمهوري في بعبدا عن امتنانها لـ ""إسرائيل" على هزيمة حزب الله" وعن رفضها مشاركة حزب الله في الحكومة التي كانت في طور التشكيل. هكذا، وبدون أدنى احترام لمضيفيها من مختلف المناصب، تصرّفت كصاحبة سلطة مطلقة في البلد، وعبّرت بشكل صريح عن وصاية تمارسها بلادها بحقّ شعوب المنطقة، ولا سيّما لبنان.

وفي زيارتها الثانية في مطلع الشهر الجاري، حاولت أورتاغوس إضفاء بعض اللمسات "الدبلوماسية" على لغتها ومفرداتها من على المنابر الرسمية، وبشكل أو بآخر اصطدمت بالموقف اللبناني الرسمي الواضح والموحّد بشأن أولوية العمل على وقف الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة رغم مضيّ أشهر على اتفاق وقف إطلاق النّار الذي ترعاه بلادها، لكن سرعان ما عادت إلى لغة الإملاء وإصدار الأوامر حين استدعت للقائها في السفارة الأميركية في بيروت بعض الوزراء والنواب والشخصيات، وأكثر من ذلك تعمّدت نشر أسلوبها الفوقي في مخاطبتهم كعاملين تحت إمرتها، يتلقون الأوامر ويكرّرون ببغائيًا ما تمليه عليهم من مواقف حول سلاح المقاومة وشروط بلادها للسماح بإعادة الإعمار، فرسمت مشهدًا تستمتع فيه بإذلالهم وبانتهاك أبسط معايير السيادة، دون أي محاولة إبداء احترام تجاههم أو تجاه البلد ولو شكليًا. وإن يمكن القول، إنّها تصرّفت على نحو يعبّر بوضوح عن حقيقة بلادها وإدارتها، ومثّلت العنجهية والفوقية التي يمارسها المستعمر بصراحة وبدون تجميل، فلا يمكن فهم بهجة وافتخار من استدعتهم بكونهم ذُلّوا علانية وقُدّمت صورة انبطاحهم وخضوعهم لها أمام جمهورهم.. بكلام آخر، ليس غريبًا أن يتباهى المتسلّط بممارسته لفعل الإذلال بحقّ أدواته والعاملين بخدمته، وهي عادة أميركية بامتياز، ولكن أن يتباهى الذليل بذلّه وبانسحاقه في حضرة مشغّله، فتلك سابقة "سيادية".. 

غادرت أورتاغوس أرض لبنان، بعد أن كلّفت أبواق سفارة بلادها بمتابعة إثارة موضوع "نزع سلاح المقاومة" والترويج للتطبيع في خطابهم اليومي وفي حضورهم على منصّات التواصل، وبدا أنّها أعطتهم مهلة محدّدة لتنفيذ مهمتهم هذه، ووقفت عن بعد تراقب أداءهم بدون تعليق.. إلى حين. ولعلّها لم تتعلّم من فشل تجربة المبعوثين السابقين الذين اجتهدوا في تكليف الفريق نفسه بالمهمّة نفسها طوال السنين الماضية ولم يحقّقوا أيّ نتائج تذكر، سوى العراضات والاستعراضات التحريضية ضدّ المقاومة وأهلها.. ولأنّها ممثّلة أميركا، شأنها شأن جميع الأشرار في الأرض، عجزت عن كظم غيظها حيال ثبوت الفشل الأميركي في تطويع اللبنانيين المؤمنين بحقهّم في الدفاع عن أرضهم كما عجزت عن السكوت حيال علوّ مؤشّرات تبدّد الحلم الأميركي هنا، فصبّت جام عنجهيّتها على الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، في إطار التعليق على موقف له، تجرّدت من كلّ أخلاقيات الدبلوماسية وخاطبته بلغة شوارعية وكلام يتصّف بالسوقية البغيضة. بعبارة صريحة ومباشرة وجّهت مورغان الغاضبة المتوترّة إساءة كلامية مشهودة لجنبلاط، كونها لم تحتمل نقدًا لسياسات بلادها ولو جاء على لسان زعيم له وزنه في البلد.. قالت أورتاغوس بكلمات قليلة، إنّ "ديمقراطية" بلادها تعني أن يخضع الجميع، وأن يتحرًك الجميع وفق رغبتها وأحلامها بدون اعتراض أو إبداء رأي مخالف. وبذلك أخطأت أورتاغوس مرّة جديدة، إذ تكلّمت بأسلوب "شوارعي" متسلّط وبشع، لا على المستوى السياسي والبروتوكولي فقط، بل أيضًا على مستوى اللياقة والأدب، فمخاطبة أيّ شخص بهذا المقدار من السوقيّة والمفردات الرخيصة هي إهانة له ولما يُمثّل، فكيف إن كان المخاطب زعيمًا ذا حيثية وتاريخ ووزن معتبر، مع العلم أنّه أبدى مقاربة موضوعية، ولم يطلق مواقف معادية أو صادمة بالنسبة للأميركي.

بالمحصّلة، استحقّت مورغان أورتاغوس بجدارة صفتها كممثلة للسياسات الأميركية، إذ عبّرت بالشكل الأشدّ وضوحًا والأكثر صراحة عن طبيعة دولتها بكلّ ما فيها من عنجهية وفوقية واضمحلال أخلاقي، وبذلّك تفوّقت على سائر زملائها السابقين والحاليين الذين كانوا من جهة يبذلون جهدًا في تصوير بلادهم كوسيط وليس كطرف في الصراع، ومن جهة يخفون ولو خلف أقنعة تفضح أكثر مما تسترّ من التسلّط الأميركي والفوقية التي تحقّر الآخرين وتحسبهم إمّا أدوات ينبغي ألّا تتحرّك إلّا بأمر المشغّل، أو أعداء.. وطوبى لمن نال شرف أن تعاديه أمريكا.

اميركاوليد جنبلاط

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة