على العهد يا قدس

نقاط على الحروف

"صار الوقت" تملق وتلميع بلغ حد القداسة وانتهى بسؤال محرج
11/04/2025

"صار الوقت" تملق وتلميع بلغ حد القداسة وانتهى بسؤال محرج

"صار الوقت"، عبر قناة المرّ، قدّم بالأمس مشهدية مكتملة عن كيفية التكامل بين الإعلام المتأمرك والسياسة المحليّة المعادية للمقاومة في الحرب على البلد وعلى السيادة وعلى كلّ ما يمتّ إلى الكرامة الوطنية بصلة.

بكلام آخر، تكامل كلّ من الأخوين مارسيل وجورج غانم مع سمير جعجع لتقديم المشهد الكامل للحرب على المقاومة في لبنان، عبر حوار بدا أداؤه سلسًا وسهلًا بحكم الاعتياد والتناغم ولا سيّما بين الإعلامي الذي تخضرم في التملّق ومناهضة كلّ ما يوحي بالشرف الوطني، والسياسي الذي شاب على ما شبّ عليه من معاداة للمشروع الوطني ومن عمل دؤوب في خدمة المستعمِر. 

بداية، حاضر مارسيل غانم في عفّة السيادة، بفصاحة تشي بالكثير من الاحتراف باللا سيادة: قام برجم وزير الثقافة على الهواء مباشرة على خلفية تصريحه بوجوب عدم ربط إعادة الإعمار بنزع سلاح حزب الله، وسمّى ذلك موقفًا رماديًا مرفوضًا. يريد غانم مواقف واضحة العداء للمقاومة، بسلاحها وناسها، مواقف واضحة الانبطاح للأميركي بدون مواربة أو تجميل، وواضحة المساعي الإلغائية لفئة كبيرة من اللبنانيين، ويسمي هذا الوضوح سيادة وطنية...

ثمّ أحضر أخاه جورج غانم ليتمّم صورة الإعلام الخادم للمشروع الأميركي جهارًا: رغم القلق الذي أبداه من المعوّقات التي قد تؤخّر تحقّق الأحلام الأميركية في البلد، بدا غانم الأخ مسرورًا وهو يقول، إنّه ولأوّل مرة منذ العام ١٩٦٨، يمكن القول إن زمن المقاومات في لبنان انتهى. وكأخيه، يسمّي "انتهاء المقاومة" ضدّ "إسرائيل"، على حدّ وهمه، "سيادة".

قد يظنّ المرء أن لدى الأخوين غانم وغيرهما مشكلة في فهم معنى السيادة وتعريفها الأبسط. وقد يعذر السامع قلّة فهم من يعجز عن تفكيك وإدراك المفاهيم البسيطة كالسيادة الوطنية وركائزها. لكنّ هذا الظنّ يتبدّد ما إن يظهر ضيف الحلقة عبر الشاشة، إذ تمنعه على حدّ زعمه بعض المحاذير الأمنية من الحضور شخصيًا إلى الاستديو: يشعر سمير جعجع أنّه مهدّد، ويضع شعوره هذا في سياق بدعة "الاتهام السياسي المسبق".

يتحدّث جعجع بتوتّر المنتشي "بنصر" يتوهّمه. من معراب يرى أنّ آماله ومطالبه بدأت تتحقّق برعاية أميركية، ولا يخفي ابتهاجه بالحميمية التي تجمعه بالمبعوثين الأميركيين المجتهدين في محاولة إشعال البلد: "قلتلو يا هوكستين شو احتمالات وقف إطلاق النار... خبّرت مدام مورغان أنه اللي أنتم عم تعملوه هو مطلبنا من ٣٠ سنة". ويمكن للمختصين في تحليل الشخصيات المضطربة شرح معنى أن يتباهى المرء بما يجمعه من تواصل مع ذوي الشهرة، ولا سيما إن كانوا ممّن يمتلكون سلطة أو نفوذاً. 

يواصل جعجع كيل الحقد السياسي المدعّم في هذه المرحلة بنشوة انتصار ما. يكرّر مقولة أنّ مسألة نزع سلاح حزب الله محسومة ومنتهية وألّا داعي لحوار حولها. يحاول الظهور بمظهر صاحب القوة التي فرضت إرادتها فيما هو حرفيًا يباهي بما يحاول الأميركي فرضه بالسياسة ولم يزل عاجزًا عنه، بعد أن فشل في تحقيقه بالقتال. لا يستسيغ الحديث عن الاعتداءات "الإسرائيلية" المتواصلة على لبنان، ويحسبها إجراءات هامشية لا تعنيه إلّا بمقدار الذرائع التي يريد اختلاقها لتبرير العدوان، ثمّ يتمادى أكثر من الأميركي نفسه، فإن كان النقاش يدور في الأروقة حول "جنوب الليطاني" فبالنسبة له مطلبه نزع سلاح حزب الله بل وكلّ مفاصل وتفاصيل منظومة المقاومة من الناحية الأمنية والعسكرية وحتى السياسية. على سبيل المثال، لا يطالب بجدول زمني محدّد لانتزاع السلاح فقط، بل يريد فرض امتناع الحزب عن اللقاء بشخصيات من حركة "حماس" مثلًا. وأكثر من ذلك، يهدّد بلطف مصطنع: ستتواصل الاعتداءات "الإسرائيلية" ما لم يسلّم الحزب سلاحه! 

يريد سمير جعجع "دولة"، يطلبها من الأميركي، يشترط خلوّها من المقاومة حتى كفكرة. يريدها خالية من سلاح المقاومة التي يجب أن يُسلّم إليها.. وهو هنا يتحدّث عن الدولة التي في ذهنه وليس على أرض الواقع..ويتجاهل الاعتداءات "الإسرائيلية" اليومية! يقوّض السيادة الوطنية ويطالب بتركيبها على قياس هواه وانبطاحه، كونه الصديق الموثوق لأميركا، كما قال عن نفسه حين سأله غانم بتملّق واضح عن سرّ تمييزه لدى الأميركيين بأن خصّته مورغان أورتاغوس بزيارة دونًا عن غيره من السياسيين اللبنانيين الذين لا يتبوؤون مناصب رسمية. كلّ ما نطق به الرجل في هذا اللقاء كان تعبيرًا حرفيًا عن وهم عاد يدغدغ قلبه بعد سنين: يعتقد جعجع معراب أنّ حزب الله انتهى على يد "إسرائيل"، وهذه ترنيمة كانت السفيرة الأميركية في بيروت قد أمرت فريقها السياسي والإعلامي بإنشادها منذ بدء العدوان على لبنان. والمشكلة ليست هنا، المشكلة أنّه  صدّق الكذبة التي يعلم حيّدًا أنها كذبة، ويحاول تظهيرها على أنّها إنجازه الشخصيّ و"إيمانه" منذ أن كان قابعًا في زنزاته.

وكي يكتمل المشهد بنكهة "شعبوية"، لا بدّ للحضور من طرح الأسئلة أو الإدلاء بمداخلات تملقية وتلميعية على الطريقة الغانمية، كأن يحسب أحد الحاضرين أنْ لو ولد جعجع في زمن السيد المسيح عليه السلام، لكان سيكون تلميذه الثالث عشر! وإن حدث وطرح حاضر من طرابلس سؤالًا على شاكلة "مَن قتل رشيد كرامي؟"، لا داعي لأن يرتبك جعجع أو يجيب، إذ يتكفّل غانم بقمع السائل وإسكاته، لعلّ الذاكرة تُمحى، ويصدّق جيل ما أن المتهّم المدان بالقتل هو فعلًا زعيم حكيم!.

المقاومة الإسلاميةحزب اللهسمير جعجع

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل