على العهد يا قدس

نقاط على الحروف

لغةٌ سوقية للتغطية على العجز العربي
09/04/2025

لغةٌ سوقية للتغطية على العجز العربي

هناك توجه عام في بعض الصحف العربية، الناطقة باسم بعض حكوماتها، لتحميل حركة "حماس" مسؤولية الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، وينسحب هذا كذلك على ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي الذين ينتمون لذات الأنظمة، والتي تسعى لتكون أكثر صهيونيةً من مخترعي الصهيونية.

وهم في سبيل ليِّ أعناق الحقائق وكسر عظام الوقائع، يستخدمون لغةً سوقيّة شديدة الابتذال، ونكتفي هنا بمثالٍ واحد، حرصًا على أعين القارئ أولًا، وحرصًا على رصانة هذه الصحيفة وطبيعتها ثانيًا، فقد عنونت صحيفة الدستور المصرية، تغريدة على موقع (X) بالعنوان التالي: "مصر لن تحاسب على مشاريب حماس"، وقد حمل المقال جملةً من الأضاليل التي تحمّل حماس مسؤولية فشل مبادرات التهدئة، وعودة العدو لممارسة الإبادة والتجويع والتهجير.

وكذلك انسحبت هذه التوجهات على صحفٍ سعودية وإماراتية، وكان القاسم المشترك بينها جميعًا، هو إلقاء اللوم على حركة "حماس"، كونها المتسبب ـ وفق زعم الصحف إياها ـ بكل ما يرتكبه العدو من جرائم، وهذا "التعنت" الحمساوي ليس من بنات أفكار "حماس"، بل هي أوامر إيرانية لمصالح إيرانية، وكل تلك الصحف تفترض أنّ الحل هو استسلام حماس وابتعادها عن إيران ومحورها.

حتى أنّ هذه السيمفونية انسحبت على بعض الصحف الفلسطينية الصادرة في رام الله، والتي رأت أنّ "حماس" هي سبب كل المآسي التي وقعت والتي ستقع لاحقًا في قطاع غزة، فيما لو أصرّت على موقفها من المفاوضات والأسرى والسلاح، بما يعني أنّ الاستسلام هو أيسر الطرق وأقصرها للحؤول دون إبادة الغزيين وتهجيرهم.

وهنا لا تكتفي تلك الأنظمة وكتبتها الآليون، بالتواطؤ مع العدو بل والشدّ على يديه في كل ما يرتكب من جرائم، وبدلًا من ممارسة الخجل على سبيل أضعف الإيمان، أمام تواطئهم أو صمتهم وجبنهم أو قلة حيلتهم، بل يحاولون تغطية تلك العورات بالمزيد من وقاحة الصراخ، وافتعال تلوث سمعي وبصري لتغطية ارتكاباتهم الفادحة، ليس بحقّ الفلسطينيين وقضيتهم، بل بحقّ دولهم وأمنها القومي ومستقبل شعوبهم وبلدانهم.

رغم أنّهم جميعًا يدركون أنّ "حماس" التزمت التزامًا حديديًا، بكل ما تم التوقيع عليه، منذ 19 كانون ثاني/يناير، موعد دخول الهدنة حيز التنفيذ، فيما كان العدو يقوم باختراقها يوميًا وعلى مدار الساعة، وكانت "حماس" تتصرف بطريقةٍ مسؤولة، حيث تتوجه للوسطاء الضامنين، بإبلاغهم بالخروقات وطبيعتها، وكذلك مطالبتهم بالضغط على العدو لتنفيذ التزاماته التي وقّع عليها، ولم يُسجل خرقٌ واحد مارسته "حماس" للهدنة والتزاماتها بموجبها.

إن استثنينا الولايات المتحدة باعتبارها طرفًا لا وسيطًا، فإن الوسيطين العربيين يدركان التزام "حماس" بكل البنود، وأنّ الاحتلال هو الذي افتعل العراقيل ومارس الخروقات منذ اللحظات الأولى، وقد عبّرا عن ذلك باستحياءٍ في بياناتٍ هامشية ويتيمة، ولم يستطيعا أن يكونا ضامنين حقيقيين، ولو كانا مختارين في ”ضيعة ضايعة” لما قبلا بأن يتم التعامل مع وساطتهما وضماناتهما بهذا الاستخفاف.

ولكن بعيدًا عن تحميل المسؤوليات، ماذا يعني في السياسة أن يتنطح هؤلاء الكتبة وتلك الصحائف لتحميل "حماس" المسؤولية عن كل جرائم العدو؟ يعني أولًا تبرئة الاحتلال من كل جرائمه، لأنّها تأتي من باب الدفاع عن النفس، لأنّ "حماس" لم تلتزم بما وقّعت عليه، ثانيًا تعني رسالةً للوعي الجمعي العربي، بأنّ "حماس" منظمة إرهابية لا يمكن التعويل عليها في أيّ تفاوض، وأنّها مجرد نابٍ إيراني، تعضّ اليد العربية التي تمتد لها.

ثالثًا، فإنّ الشعب الغزيّ لا يستحق أيّ تضامن، أو أيّ نوعٍ من المشاعر، وأنّ كل هذه المشاهد التي تُبث على مدار الساعة للإبادة قتلًا وحرقًا وتجويعًا وتدميرًا، لا يجب أن تؤثر في أيّ مواطنٍ عربيٍ صالح، يدرك أنّ حكومته ذكية وتعرف كيف تدبر الأمر، لأنّ الشعب الغزيّ يقبل عن سابق رضا أو سابق عجز بوجود "حماس"، وبالتالي فهو لا يستحق تعاطفًا إلّا إذا ثار على "حماس" فقتلها وقتلته، فيقتل الغزيون بعضهم، فترتاح "إسرائيل" ويرتاح العرب، وتستريح الصحف وكتبتها.

ولكن الأهم من محاولات تغطية العار وسوءاته بالصراخ والحروف الوقحة، فإنّ هذا يُعدّ تنصلًا أو على الأقل تمهيدًا للتنصل من الاتفاق السابق الموقّع عليه، وهو بمثابة إعلان لإنهاء ضمانات الضامنين، وأنّ على "حماس" التجاوب مع مبادراتٍ جديدة، خصوصًا أنّ الحركة لا تزال تراهن على تعاطف الشعوب العربية، ولم تفقد الأمل بعد بقدرة تلك الشعوب على صناعة الفارق.

وليس من باب التجنِّي أن يكون هذا التمهيد على سبيل الاستباق لمهاجمة إيران، حيث يصبح تصوير الأمر باعتبار أنّ مهاجمة إيران يصبّ في مصلحة الشعب الفلسطيني ووقف إبادته، ولعمرك فإنّ العقل العربي بعد سنةٍ ونصف من التأقلم مع الإبادة قابلٌ للامتصاص كإسفنجة الحانات.

الكيان الصهيونيحركة المقاومة الإسلامية ـ حماسغزة

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
باراك: انهيار وشيك لـ"إسرائيل" بسبب نتنياهو وهو يقودها نحو الهاوية  
باراك: انهيار وشيك لـ"إسرائيل" بسبب نتنياهو وهو يقودها نحو الهاوية  
الاحتلال يواصل جريمة التعطيش الممنهجة بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزّة  
الاحتلال يواصل جريمة التعطيش الممنهجة بحق أكثر من 2.4 مليون فلسطيني في غزّة  
26 يومًا من المجازر: الاحتلال يصعّد عدوانه على غزّة وسط دعم أميركي وصمت دولي
26 يومًا من المجازر: الاحتلال يصعّد عدوانه على غزّة وسط دعم أميركي وصمت دولي
تقرير أميركي: كذبة واشنطن عن حقوق الإنسان تفضحها دماء غزّة
تقرير أميركي: كذبة واشنطن عن حقوق الإنسان تفضحها دماء غزّة
"نداء الفتنة".. إعلام موجّه لخدمة الأعداء
"نداء الفتنة".. إعلام موجّه لخدمة الأعداء
حماس: تصاعد الدعوات داخل الكيان لوقف الحرب يؤكد مسؤولية نتنياهو عن إدامتها
حماس: تصاعد الدعوات داخل الكيان لوقف الحرب يؤكد مسؤولية نتنياهو عن إدامتها
حماس تقدم طعنًا قانونيًا لإلغاء تصنيفها كمنظمة محظورة في بريطانيا
حماس تقدم طعنًا قانونيًا لإلغاء تصنيفها كمنظمة محظورة في بريطانيا
حماس ولجان المقاومة: ما يجري في رفح جريمة حرب ومحاولة بائسة لتحقيق إنجاز عسكري بالإبادة
حماس ولجان المقاومة: ما يجري في رفح جريمة حرب ومحاولة بائسة لتحقيق إنجاز عسكري بالإبادة
قائد فرقة الجليل السابق: يد السنوار تهزّ "إسرائيل"
قائد فرقة الجليل السابق: يد السنوار تهزّ "إسرائيل"
معلّق صهيوني: "إسرائيل" فشلت في تحقيق أهداف الحرب بإعادة "المخطوفين"
معلّق صهيوني: "إسرائيل" فشلت في تحقيق أهداف الحرب بإعادة "المخطوفين"
فيديو| الأسير الصهيوني لدى القسام عيدان ألكسندر: نعتقد أننا سنعود للديار أمواتًا ولا أمل لدينا
فيديو| الأسير الصهيوني لدى القسام عيدان ألكسندر: نعتقد أننا سنعود للديار أمواتًا ولا أمل لدينا
محور "موراج" والتهجير.. هل باتت المواجهة مع مصر وشيكة؟
محور "موراج" والتهجير.. هل باتت المواجهة مع مصر وشيكة؟
بلدية رفح: إعلان الاحتلال ضمّ المحافظة إلى "المنطقة الأمنية" انتهاك صارخ للقانون الدولي
بلدية رفح: إعلان الاحتلال ضمّ المحافظة إلى "المنطقة الأمنية" انتهاك صارخ للقانون الدولي