نقاط على الحروف
من يسعى للانقلاب على الطائف و"تفخيخ" انطلاقة العهد؟!
شكل اتفاق الطائف مرحلة مفصلية بين محطتي الحرب الأهلية التي أشعلها اللاتوازن في الحكم، جراء هيمنة فريق سياسي على السلطة معززًا بجحافل "المارينز" وتنصيب رؤساء على ظهر الدبابة "الإسرائيلية"، وبين استعادة الاستقرار وإعادة بناء الدولة. صيغة الحكم الجديدة التي حيكت بعناية سواء لناحية النصوص أو الأعراف، حتى تكون الضامن الحقيقي للتوازن، نصت على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين كقاعدة دستورية، لا يمكن تجاوزها كذا جاءت الأعراف الدستورية لتكرس مبادئ رئاسية ثابتة، فيما يخص طائفة الرئاسات الثلاث. كذلك تضمن الاتفاق الذي سمي بـ"وثيقة الوفاق الوطني" مفاهيم واضحة حول "العيش المشترك" و"التوافق" داخل مجلس الوزراء ومراعاة الإنصاف في تمثيل الطوائف. ومن أهم ما تضمنته من بنود إعلانها بشكل صريح ولا لبس فيه أنْ "لا صيغة لأي سلطة تناقض العيش المشترك".
من نصوص اتفاق الطائف يتضح أنه سعى جاهدًا لإخراج لبنان من عصر الحرب الأهلية إلى عصر بناء الدولة، عبر مراعاة أوزان وأحجام الطوائف والاستفادة من تنوعها وغناها لمصلحة البلد وهو وضع خطة شاملة للانتقال بلبنان من ضفة إلى أخرى، بهدف إرساء الاستقرار السياسي ومنع إعادة تسلط أو هيمنة فئة على أخرى.
مسار تطبيق اتفاق الطائف طوال 35 عامًا لم يكن مثاليًا، وقد شابهُ الكثير من التأويلات والاجتهادات في معرض الأزمات الدستورية التي كانت تواجه لبنان، خصوصًا أزمات تشكيل الحكومة، والتي عادت لتبرز مع تشكيل الحكومة الأولى للعهد الجديد برئاسة جوزاف عون، إذ بدا من عملية التكليف أن ثمة من يسعى جاهدًا للانقلاب على اتفاق الطائف وتكريس واقع سياسي جديد، مستقويًا بالهجمة الإقليمية والدولية على لبنان التي أعقبت الحرب "الإسرائيلية". وبدا جليًا أن ثمة من يحضر المسرح بدفع خارجي لانقلابات متتالية لن تقف عند حدود تشكيل الحكومة بل ربما تذهب أبعد من ذلك بكثير باتجاه حثها على الاصطدام مع المقاومة أو زج الجيش في صدام معها، بما يريح العدو "الإسرائيلي" ويعيدنا مجددًا إلى زمن الحرب الأهلية والى تكرار تجربة حكومة السنيورة المبتورة عام ٢٠٠٦ والتي عطّلت البلد لعامين ونيف، ما يشي بأن بعض اللبنانيين لم يتعلموا بعد من تجاربهم أو يخرجوا من دائرة رهاناتهم السابقة.
لا شك أن اتفاق الطائف واضح ببنوده، ولا يمكن لأحد القفز فوقه مهما تغيرت الظروف الإقليمية والدولية في محيطنا كما لا يصح التعامل معه كشماعة استنسابية، يأخذ كل طرف منه ما يناسب مصلحته، فهو لا يقبل التجزئة في الممارسة والتطبيق. ومن يتوهم أن بإمكانه اليوم أن يكرس سوابق لا توافقية وغير ميثاقية وغير دستورية عليه أن يتقبل لاحقًا انطباق تلك السوابق عليه. فتشكيل حكومة تناقض العيش المشترك اليوم، في غياب طائفة معينة يهدد التوازن في البلد، وهو لعبة لها تداعيات خطرة على السلم الأهلي. من هنا ثمة مسؤولية كبيرة اليوم على عاتق المعنيين الأساسيين بالتكليف:
المسؤولية الأولى على عاتق الرئيس المكلف نواف سلام الذي عليه أن يرفض ترؤس حكومة غير ميثاقية، ويسعى جاهدًا من خلال التكليف لإحباط محاولة تفخيخ انطلاقة العهد الجديد عبر تشكيل حكومة متوازنة تضم جميع الطوائف والكتل الأساسية في البلد، وبالتأكيد هذا الجهد سيلقى ترحيبًا من كثيرين، ممن عبروا عن رفضهم لنهج الإقصاء والإلغاء.
المسؤولية الثانية على عاتق رئيس الجمهورية الذي يطمح لانطلاقة فعالة لعهده كونه المؤتمن على الدستور، وهو قد أقسم اليمين الدستورية على ذلك، وعليه أن يثبت أنه رئيس للجميع وعلى مسافة واحدة منهم، وأن يرفض سياسة الإقصاء والإلغاء التي يحاول بعض الفرقاء إلباسها لعهده منذ بدايته، وأن يرفض أيضًا استخدام بعضهم عهده كمنصة للتصويب على الفريق الآخر في البلد، وألا يضيع الإيجابية التوافقية التي بدأ بها عهده في متاهات وزواريب سياسية يسعى بعض المناهضين للمقاومة لإدخاله بها عنوة. فهو يعلم جيدًا أن سياسة التوافق أتت به رئيسًا للبنان وأن هذا التوافق يجب أن يستكمل بحكومة توافقية ميثاقية، أما حكومة اللون الواحد فموؤودة في مهدها، ولن يكتب لها النجاح، وهي تحرج العهد وتهدد مسيرته منذ انطلاقته.
رئاسة الجمهورية اللبنانيةالحكومة اللبنانيةالاستشارات النيابيةجوزاف عون
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/01/2025
جعجع وحلم الرئاسة الضائع
08/01/2025