نصر من الله

نقاط على الحروف

شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024

شواهد من يوم النصر الأعظم

أمتعة موضّبة تعتلي أسقف المركبات، زحمة سير خانقة على طول الطريق الممتد من بيروت إلى الجنوب، أناشيد ثورية في كل مكان، أعلام المقاومة مرفوعةٌ مصحوبةٌ بصيحات التبريكات بالنصر من هنا وهناك، ووسط الحالة العظمية هذه، تظهر صورة السيد الشهيد الأقدس لتزيّن وتبارك المشهد.

 يكاد هذا المشهد يكون عينه، لو عدنا بالزمن إلى الوراء، ثمانية عشر عامًا تفصلنا عن مشهد مشابه في الحدث وتفاصيله: أهل الجنوب عادوا منتصرين. أعظم ما يمكن للمشاهد فعله أن يتقن فعلًا دوره، ليعيش ما يراه بكل حواسه: مزيج من مشاعر العز والفخر والحزن والفقد، وقبل كل ذلك، مشاعر الانتصار.

في زحمة السير التي جاوزت مدينة صيدا، يقود أحد العائدين سيارته واضعًا على مقدمتها حذاء مجاهدٍ شهيد، ويزيّنه بورود حمراء. صورة كفيلة بأن تختصر المشهد العام من البداية حتى النهاية. على جانبي الطريق ينتشر عناصر الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية وكشافة الرسالة، تراهم متأهبين لتقديم أي خدمة أو مساعدة، كأنهم لم يعيشوا تعبًا ولم يذوقوا ألمًا على امتداد عامٍ وأكثر من الحرب والمخاطر والتحديات.

في السيارة الواقعة على يمين السائق، تَسمع صيحاتِ إحدى السيدات وهي تنادي أخرى:" يا رباب مبارك النصر.. مبارك النصر!"، تلتفت فترى الدموع تسابق الكلمات واللّهفة للّقاء لا يشبهها شيء، إلا أنها كلماتٌ واحدة، ولهفة واحدة، يتشارك فيها الجنوبيون عند كل عودة، وكل عودات الجنوبيين؛ لا تحمل سوى النصر.

تُكمل الطريق وصولًا إلى مدخل القرية، قرية البيّاضة الصغيرة التي شهدت معارك عنيفة، وعند أعتابها سقطت الدبابات والألوية "الإسرائيلية" على أيدي المجاهدين الأبطال. قبل المدخل بأمتار يتجمع عدد من الشبان يوزعون الحلوى على المارّين، يباركون لهم بالعودة، ويحذرونهم من الاقتراب من الأماكن والأجسام المشبوهة.

فور دخولك إلى القرية تصيبك حالة من الذهول. القرية التي تغيرت معالمها، ولم يبقَ من بيوتها سوى الركام، تحكي قصصًا عن بطولات سطّرها المجاهدون في أحيائها وبيوتها وبساتينها، لكن هذا الترهيب والدمار لم يمنع أهلها من العودة، ومعانقة ركام منازلهم. هنا يسلّمون على بعضهم، يحتسون القهوة ويدخّنون السجائر فوق ركام أحد المنازل، ويتبادلون أطراف الحديث، ليس عمّا مضى، بل عمّا سيأتي.

يأتي أحد أبناء القرية من حي آخر، يلقي التحية على المتسامرين ويخبرهم أن بيته تلقى "ضربة مدفعية"، لكن اللافت في الأمر أن ما يشغل باله ليس ما حلّ بالبيت، بل بقطعةٍ ورقية كان يحملها." وَجَدَتها أختي في دكّانتها، فيها اعتذار مكتوب من أحد المقاومين عن قيامه باستخدام أغراضٍ من الدكان، وقد ذكر أيضًا ما هي.." يقول كلماته تلك والدموع تكاد تخون عينيه.

طريق المغادرة من القرية لا يخلو من الغصّة الممزوجة بالدموع، رغم إدراك أهلها أنهم عائدون إليها، وهذه المرة متى أرادوا ذلك. قبل المغادرة يستوقفك مشهد عدد من عناصر الدفاع المدني وهم يتجمّعون حول ركام أحد المنازل ويتشاورون في ما بينهم، وعند اقترابك منهم لتلقي التحيّة سيتّضح المشهد في ذهنك بشكل جليّ: هنا سقط الشهيد سراج، وهو مفقود الأثر.

على امتداد طريق المغادرة، تجد مواكب من السيارات العائدة إلى القرى، تزيّنها الأعلام وصور الشهداء وسيّدهم. كل الذين تلتقي بهم لا تعرفهم ولا يعرفونك، ولكن ثمّة مشاعر ووحدة مصيرٍ وانتماءٍ تجمع بينكم. عند مداخل إحدى القرى تتوقف لتعاين مشهدًا آخر. صورةٌ كبيرةٌ وضعت عند مدخل القرية، تضم صور شهدائها الأبرار، ومعهم صورة سيد الشهداء الأقدس. رجل سبعينيّ ملأ الشيب رأسه يقف أمامها، يمسح على وجوه الشهداء كأنه يسلّم عليهم، بلسان حالٍ يقول "مدينٌ أنا لأرواحكم."

في كل قرية من قرى الجنوب، وعند كل ركام منزل، ثمة قصة من قصص البطولات التي سطرها أبناء هذه الأرض، أولئك الذين باعوا جماجمهم وأفئدتهم لله، ومضوا على طريق الحق والشهادة، استشهدوا لنحيا، ولنكمل طريق الجهاد الذي بدؤوه، ولنبني من تضحياتهم ودمائهم مجد وعزّ هذه الأمة.

حزب اللهالسيد حسن نصر االلهالمقاومةالجيش الاسرائيلينصر من الله

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة
حزب الله وأهالي بلدة يونين البقاعية يشيعون الشهيد على طريق القدس سالم زغيب
حزب الله وأهالي بلدة يونين البقاعية يشيعون الشهيد على طريق القدس سالم زغيب
حزب الله وحركة أمل: لضرورة إنجاز العودة الآمنة للمواطنين إلى بلداتهم والإسراع في رفع الردم وفتح الطرق
حزب الله وحركة أمل: لضرورة إنجاز العودة الآمنة للمواطنين إلى بلداتهم والإسراع في رفع الردم وفتح الطرق
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
قيادة حزب الله في البقاع أقامت مجلس فاتحة عن أرواح الشهداء
قيادة حزب الله في البقاع أقامت مجلس فاتحة عن أرواح الشهداء
حزب الله شيّع ثلة من الشهداء على طريق القدس في روضة الحوراء بالغبيري
حزب الله شيّع ثلة من الشهداء على طريق القدس في روضة الحوراء بالغبيري
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
"أشرف الناس" عادوا منتصرين...
"أشرف الناس" عادوا منتصرين...
الضاحية الجنوبية تُعيد بناء حياتها بعد أكثر من شهرين على العدوان
الضاحية الجنوبية تُعيد بناء حياتها بعد أكثر من شهرين على العدوان
لمَ "نحن لا نهزم"؟
لمَ "نحن لا نهزم"؟
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
الشيخ عمرو: متمسكون بثلاثية الجيش الشعب والمقاومة
الشيخ عمرو: متمسكون بثلاثية الجيش الشعب والمقاومة
بعد فشلها في غزة ولبنان.. واشنطن تقامر بإشعال الحرب في سورية
بعد فشلها في غزة ولبنان.. واشنطن تقامر بإشعال الحرب في سورية
ماذا اكتشف العدو في المواجهة الأخيرة مع حزب الله؟ قراءة عسكرية ميدانية
ماذا اكتشف العدو في المواجهة الأخيرة مع حزب الله؟ قراءة عسكرية ميدانية
على العهد كانوا .. وعادوا مكللين بالنصر
على العهد كانوا .. وعادوا مكللين بالنصر
التكفيريون يتفرجون على إبادة غزة ويفتتحون معركة إسناد للكيان
التكفيريون يتفرجون على إبادة غزة ويفتتحون معركة إسناد للكيان
أبناء الشمال يودعون ضيوفهم.. فرحة بالنصر وعودة برأس ٍ مرفوع
أبناء الشمال يودعون ضيوفهم.. فرحة بالنصر وعودة برأس ٍ مرفوع
"نور من نور": فصل جديد من البيعة لسيد شهداء الأمة
"نور من نور": فصل جديد من البيعة لسيد شهداء الأمة
وزير البيئة جال في النبطية: سنعيد إطلاق برنامح الاستجابة للحاجات الإنسانية لمساعدة النازحين
وزير البيئة جال في النبطية: سنعيد إطلاق برنامح الاستجابة للحاجات الإنسانية لمساعدة النازحين
فيديو| استهداف المقاومة الإسلامية ناقلة جند صهيونية في يارين بتاريخ 25/11/2024
فيديو| استهداف المقاومة الإسلامية ناقلة جند صهيونية في يارين بتاريخ 25/11/2024
بالصور| "نور مِن نور".. تحية من الحُبّ والضوء من مكان الشهادة المقدّس لسيد شهداء الأمة
بالصور| "نور مِن نور".. تحية من الحُبّ والضوء من مكان الشهادة المقدّس لسيد شهداء الأمة