معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
20/11/2024

أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!

"حدث صعب في الشمال"، بهذه العبارة يتكتّم العدوّ وإعلامه على أي تفصيل يتعلّق بالهزائم المتتالية التي تتعرّض لها قوّات نخبته في الميدان، سواء في الأراضي الفلسطينية المحتلّة حيث تطول صواريخ المقاومة تجمّعات الجنود في المستوطنات والمراكز العسكرية المعادية أو في قرى الحافة الأمامية. ومن النادر أن يتجرّأ إعلاميّ أو متحدّث صهيوني على الإدلاء بأي تصريح يتعلّق بحجم الخسائر في الشمال، ويلتزمون ببند "سُمح بالنشر" في أي حديث يتعلّق بعدد الجنود القتلى وحجم الخسائر الميدانية. وأكثر من ذلك، يُعاقب في الكيان الغاصب أي مستوطن يقوم بتسريب صور التقطها بنفسه للأضرار والخسائر التي تقع بعد كل رشقة صاروخية من لبنان إلى عمق الكيان ولا سيّما في حيفا و"تل أبيب"، وتكتفي وسائل الإعلام كافة بعرض الصور التي "سُمح" بنشرها. باختصار، يدرك العدو جيّدًا الدور الذي يلعبه الإعلام في الحرب - -بمجاليه التقليدي والإلكتروني- وتأثيره في المستوى التعبوي والنفسي في صفوف المستوطنين، فيقوم بمراقبة وتقنين ومتابعة كلّ ما يصدر عنه، ويكلّف في المقابل متحدّثين مدرّبين على استهداف بيئة المقاومة إعلاميًا ومحاولة التأثير فيها، سواء بالترهيب والتخويف أو بالتحريض والتضليل. وعلى هذا المستوى، لا ينحصر هؤلاء المتحدثون بحمَلة "الباسبور الإسرائيلي" أو بالمستوطنين في ربوع فلسطين المحتلة الذين يجيدون التحدث بالعربية، بل يتعدّونهم إلى الكثير من حملة الجنسيات العربية، والناطقين بالعربية الفصيحة.

 في المقابل، وتحت النّار وفي ظلّ العدوان الهمجيّ، يجنّد بعض الإعلام اللبناني نفسه وكلّ إمكاناته في التسويق لسردية العدوّ، وفي محاولة صناعة "رأي عام" يكرّرها ويعتمدها كحقيقة مثبتة، ناهيك عن تفعيل مفردات وخطابات العدو كمرتكزات تستند عليها تغطياته ولغته الإخبارية وكامل خطّه التحريري. وعلى ذلك أمثلة كثيرة، كأن تقوم "أل.بي.سي"، وهي كما تعلمون قناة لبنانية "قُح" برصد أنفاس المتحدّث باسم جيش العدو على منصات التواصل، والذي بالمناسبة يعدّه المستوطنون بهلوانًا سخيفًا. وأكثر من ذلك، تبدو القناة كأنّها خصّصت حيّزًا رئيسيًا في غرفتها الإخبارية لنقل كلّ ما يصدر عنه ولا سيّما حين يكون المحتوى الذي قام بعرضه يحمل رسالة ترهيبية أو توهينية أو يعكس وهم هزيمة حزب الله. على سبيل المثال، قامت القناة بنقل ما سمّاه الأخير جولة له في قرى الجنوب. وفي واقع الأمر، بدا أن طائرة هيليكوبتر من تلك التي تهرع لنقل جثث جنود وضباط غولاني وجرحاهم، قد نقلت البهلواني إلى نقطتين في كفركلا والعديسة لأخذ الصور، وعلى الأرجح أنّه بعد أن أخذها لم يجد مكانًا في الطائرة المحمّلة بالجثث، فجلس فوق أشلاء "زملائه" من شدّة استعجاله العودة إلى الأراضي المحتلة قبل أن يُصاب ويعود أفقيًا، مثلهم. وصل إلى مقرّه، نشر الصور ليتباهى في محاولة لإحباط من يراها من أهل المقاومة.

وهنا، غاب عن ذهن "أل.بي.سي" وخطّها الإخباري، أو ربّما حضر، أنّ الذكاء واجب في "اختيار "الخبر"، وبالتالي ليس من الذكاء العمل على تغطية ادعاءاته ونقلها كأنها حقائق ووقائع، فقد يكذّب الميدان، وسيفعل، كلّ هذه الادعاءات. كما كان يجب أن يحضر الحدّ الأدنى من الحسّ المهنيّ والأخلاقي في مقاربة أي "خبر" أو "صورة" مصدرهما العدو وإدراك أنّ نسخ أهداف البهلواني ذاك بداعي "التغطية الصحفيّة" هو جريمة على المستوى الوطني والأخلاقي والإنساني، بل جريمة ينصّ عليها القانون اللبناني بمواده ٢٧٤ و٢٧٥، بشأن توفير الوسائل للعدوّ لتحقيق أهدافه ومعاونته بأي وجه كان على فوز قواته. 

 هذا المثال الطازج ترتكب مثله في كلّ يوم، وعلى الأقلّ منذ اندلاع المعركة، العديد من المؤسسات الإعلامية اللبنانية بكل أشكالها، وحتى اللحظة، نشاهد ونسمع ونقرأ سردية العدو وروايته عن الحرب عبرها، إذ تتكفّل بنقلها ونشرها والتسويق لها كأنها حقيقة موضوعية، مع تغييب شبه تام لإنجازات المقاومة ولا سيّما في الميدان، والتي تصدر تباعًا عبر بيانات الإعلام الحربي، وما زال المجلس الوطني للإعلام ووزارة الإعلام غائبين عن السّمع، وهما الوجهة المطالبة برصد هذه الانتهاكات المشهودة ومعاقبة مرتكبيها وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية والمعايير المهنية التي ينبغي في زمن الحرب أن تصبح أكثر دقّة وحدّة. 

يخوض هذا الإعلام حربًا ضد أهل الأرض تحت عنوان الموضوعية والحياد، وينسى أنّ المكان الطبيعي للموضوعيّة والمحايد هو على المسافة نفسها من الأطراف كافة، وليس في معسكر العدو. بدا أن هذا التفصيل البديهيّ قد غاب عن معظم هذا الإعلام الخاضع لتعليمة عوكر، فنسي أن يتذاكى فيه ولو قليلًا. فبكلّ شفافية، لا ننتظر منكم أن تكونوا في صفّ أرضكم وبلدكم، فهذا أمر تعجزون عنه، ولكن على الأقل، قفوا على أرض حيادكم الموضوعي الذي تدعّون، وتفرّجوا كيف يبدع الميدان في تكذيب ما تنقلون!.

التضليل الإعلاميوسائل الإعلامالمجلس الوطني للإعلاموزارة الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة