معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن "عدوان البيجرات" الارهابي ولبنان المقاوم
18/09/2024

عن "عدوان البيجرات" الارهابي ولبنان المقاوم

أخبارٌ عاجلة تواصلت على وقع ضجيج سيارات الإسعاف التي تهرع في مختلف الاتجاهات.. الوجوه في الطرقات يغمرها الذهول، تشرح من دون كلام مقدار الإرهاب الأميركي الصهيوني.. في دقيقة واحدة، دمٌ سال في الجنوب وفي الضاحية والبقاع.. في دقيقة واحدة، دخل جميع أهل المقاومة المشهد الصّادم نفسه، عدّتهم الصّبر، درعهم اليقين وسلاحهم المقاومة: حدث غير مسبوق، وغير مفهوم في دقائقه الأولى.. عدوان إرهابي بأسلوب غير معتاد.. والطرق المؤدية إلى المستشفيات، كما أقسام الطوارئ فيها، تعجّ بالمصابين من المدنيين وأهلهم.. وكلّ النّاس، كلّهم، أهل الدم وأصحاب الجرح.. 

قبل هذه الدقيقة الطويلة الثقيلة، وطوال سنين، دُفعت مبالغ مالية هائلة، وُضعت برامج وخطط عمل مكثّف، اجتهدت فرق متخصّصة بالتأثير الإعلامي والثقافي و"المدني"، أُقيمت دورات تدريب وورش عمل ومؤتمرات فكّ شيفرات اجتماعية وصناعة أخرى في لبنان والخارج، موجات تضليل عالية وارتكابات فتنوية حادّة.. كلّ هذا الجهد الذي تكبّدته الولايات المتحدّة الأمريكية وأدواتها الأجنبية والعربية، وحتى المحليّة، على مرّ سنوات بهدف عزل المقاومة في لبنان وتغريب أهلها في أرضهم، وفي سبيل صناعة الفتنة المذهبية والصراع الطائفي فيه، ذهب هباء في دقيقة واحدة.. 

في دقيقة واحدة، إذًا، سقطت مشاريع الفتنة السّنية-الشيعية وكلّ أوهام إمكان صناعتها والاستثمار فيها: قوافل أطباء وممرّضين وطواقم صحية متطوعة انطلقت من الشمال، من مدينة طرابلس التي أراد لها الأميركي وأدواته أن تكون مدينة ضدّ المقاومة.. وجهة القوافل مستشفيات بيروت وجبل لبنان والجنوب.. صوت الطواقم الصحية الآتية من الشمال بدا مجرّحًا بالحزن على مصاب الأهل والأحبّة.. كانوا يستعجلون الوصول ليكونوا عونًا وسندًا لإخوتهم.. 

طرابلس، والتي في يوم الزلزال، اشتعل قلب السيد ليطمئن على سلامة أهلها الكادحين الفقراء، ردّت اللهفة باللهفة، أهالي طريق الجديدة في بيروت تجمهروا في الشوارع، وتداعوا للتبّرع بالدم.. أرادوا بكلّ صدق وحبّ أن يكونوا الضماد الشافي الذي يسكّن جرح الضاحية.. على باب مستشفى المقاصد؛ احتشد محبّون غيورون ليرفدوا بدمهم أوردة إخوتهم المصابين بالعدوان الآثم، ولسان حال بيروت في أصواتهم يصرخ: "أنا والشباب بخدمة أجريكن.. انتو وصلتو ع بيوتكن.. تعتلوش هم".. 

على أبواب مستشفي الجامعة الأمريكية و"أوتيل ديو" وغيرهما، اصطفّت الطواقم الطبية رافعة جهوزيّتها إلى أعلى مستوياتها لاستقبال الجرحى والمتبرعين بالدم على حدّ سواء.. في كلّ مكان؛ وجد أهل المقاومة لهم أهلًا وأحبّة وأخوة يهرعون إلى عونهم وبلسمة جرحهم الغائر.. في دقيقة واحدة، تحلّق المحبّون حول جرح أهل المقاومة وكلّ بما استطاع ساعد وتعاون.. فكان الحبّ ولهفة الكلّ إلى المساعدة أجمل ما يمكن أن يُخاط به جرح بليغ.. 

على المستوى السياسي، في دقيقة واحدة أيضًا، تمايز الخبيث والطيّب، والمرتزق والوطني .. في دقيقة واحدة، هبّ الطيّبون الأحرار العقلاء والحكماء من أهل السياسة لنصرة إخوتهم من أهل المقاومة، ولو بكلمة حق وبموقف تضامنيّ وأخلاقيّ.. صحيح أنّ الأخلاق بديهية وواجبة، إلّا أنّنا في لبنان شهدنا سقوطها عند الكثير من المحطّات، حيث أصبح التعبير عنها في ساعة خطب جلل أمرًا يُثنى عليه ويُقدّر.. فيما صمت آخرون.. 

صرّح وليد جنبلاط بأنّ ما قامت به "إسرائيل" جولة من الجولات، وليس نهاية المطاف، وأنّ لبنان لا يريد الحرب لكنه يريد الدفاع عن نفسه، والصراع مع "إسرائيل" صراع وجود وليس صراع حدود. من جهته، سارع رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل إلى أخيه النائب الحاج علي عمار، والد الشهيد على طريق القدس مهدي عمار، ومن هناك دعا إلى التضامن والوحدة في مواجهة العدوان.. أمّا النائب إلياس جرادة، وبثوب الطبيب الجراح الذي يقف في غرفة العمليات ليفعل كلّ ما بوسعه لإنقاذ المصابين بأعينهم جرّاء التفجيرات الإرهابية، تحدّث إلى الإعلام عن الواجب المهني والإنساني والأخلاقي الذي يعلو فوق أيّ معيار أو حساب آخر.. كذلك، لم تتأخر رئاسة الوزراء عن بثّ موقف يُثمّن في بلد، مثل لبنان، إذ أدانت الاعتداء مباشرة، وسارعت إلى اتخاذ الاجراءات الرسمية واللوجستية المسؤولة، والتي تصفع الأميركي على وجهه: لا! لم تنجح  لن ندير وجهنا عن جرح أهلنا وأبنائنا!. 

في دقيقة واحدة، بالرغم من الجرح العميق النازف والذهول وهول المصاب، أمكن أن نرى سقوط المشروع الفتنوي الأميركي المجتهد في سبيل عزل المقاومة وتغريبها عن أهلها في لبنان.. أمكن أن نرى كيف لا يصير الدم ماءً وكيف لا ينكر القربى إلّا من ليس أهلًا لها.. وأمكن، أن نسمع بكل اللهجات اللبنانية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، كلمات الحبّ والالتفاف حول المقاومة وأهلها.. 

أمكن أن تمتد كلّ الأيادي الطاهرة لمسح الدم عن وجه الجرحى ومسح الدّموع عن وجه أهل المصاب.. في دقيقة واحدة، وببركة الدم الأطهر والوجع الأصفى والصبر الجميل، عرفنا أن وإن آلمنا العدوّ وزرع في قلوبنا قهرًا وثأرًا متجدّدًا، فهو لا بدّ يؤلمه مشهد اللبنانيين وقد تحلّقوا حول المقاومة، مقاومتهم.. وغمروا أهلها بحنوّ وتضامن.. ويؤلمه أنّ جهودًا هائلة ذهبت سُدى، وأنّ عمل سنين في التغريب قد ثبت فشله وضاعت جدواه.. على عمق ما، وبالرغم من هول الألم الذي ألمَّ بكلّ حرّ في لبنان إثر العدوان الوحشيّ الغادر، تلقّى العدو ومعه الغرب كلّه، في يوم أمس، صفعة تمثّلت بوفاء الناس لأهلهم وإخوانهم المقاومين، وتمثّلت بالترفّع السياسي الحكيم عن أيّ سبب أو قضيّة خلافية بين حزب الله والمكوّنات اللبنانية الوازنة في مواجهة العدوان "الإسرائيلي".. تلقّوا صفعة مرّة بيد مشهد الحبّ والتآخي بين الناس.. وفي يوم أمس صار لبنان كلّه مقاومة.
 

حزب اللهالجيش الاسرائيلي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة