نقاط على الحروف
الحرب في الإعلام "المتأمرِك" قائمة .... وقعت أم لم تقع!
حقق النائب مروان حمادة "ضربًا إعلاميًا"، نهار الأربعاء الفائت، دار دورته في الفضاء الإعلامي اللبناني، في ذروة التكهنات حول مآل الوضع على الجبهة بين لبنان وكيان العدو. فقد قال حمادة في مقابلة مع قناة mtv: "لديّ معلومات من مسؤولين على علاقة مباشرة بالمفاوضات أنّ الحرب واقعة خلال أيام قليلة أو ساعات"، وأسهب في شرح أبعاد الموضوع سياسيًا وعسكريًا. ونُشر مقطع من فيديو المقابلة على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي ليحدث بلبلة وأسئلة حول مدى دقة المعلومات التي يستند اليها حمادة والجهات التي يقول إنه استمدّ معلوماته منها.
لكن في المساء، قال حمادة في اتصال مع قناة "الجديد"، إنّ "الحديث أخذ أكثر من أبعاده"، وأنه بنى تصريحه "على وقائع ميدانية مقلقة خلال الثماني والاربعين ساعة الماضية"، وأنّ "كلامه جاء في معرض التحليل الصحفي وليس السياسي بَنَاه على أنّ مغادرة بلينكن الى واشنطن من دون تحديد موعد لاستئناف المفاوضات دفعه إلى التحذير من التصعيد من العدو الاسرائيلي" ! وهذا يعني أن ما حصل عليه من "معلومات" صباحًا من مسؤولين ذوي علاقة بالمفاوضات أصبح مساءً مجرد "تحليل صحافي" من بُعد !! ثم عاد وأكد في اتصال مع mtv ليلًا أن "موضوع الحرب ليس محسومًا" ...
التراجع المسائي قد تكون وراءه مراجعات سياسية أدت به إلى تعديل تصريحه. وهذا لا يعني أن التصريح في الأساس نابع من تقدير دقيق، فهناك حملة تهويل "إسرائيلية" يشارك فيها الجانب الأميركي بالتصريحات السياسية والتقارير الصحفية، ويُقرِنها العدو بتصعيد موضعي ضد العديد من المناطق اللبنانية، والغاية إعطاء هذه التهديدات قيمة عملية. ويلاحَظ هنا أن المسؤولين الاميركيين - وعلى رأسهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن – سارعوا إلى إعلان فشل مفاوضات غزة بعد تحميل "حماس" المسؤولية عن عدم الموافقة على الخطة الأميركية المعدّلة وفقًا للشروط "الإسرائيلية". وهذا ما أشارت اليه صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية بالقول إن بلينكن ألحق ضررًا بالمفاوضات بعد إعلانه -لأسباب داخلية اميركية- قبول نتنياهو المقترح الأميركي، مشيرة إلى أن بلينكن اصطفّ إلى جانب نتنياهو الذي لم يتراجع عن شروطه المعرقلة للإتفاق "وأصدر حكمًا بالإعدام على الصفقة".
كما تشارك في هذه الحملة، أو تنساق إليها، جهات ووسائل إعلام لبنانية وعربية. فقناة mtv مثلًا سارعت إلى إعداد تقرير بعنوان مثير: "كيف ستدعم أميركا "إسرائيل" في حربها ضدّ لبنان؟، أميركا تستنفر قواتها لمساعدة "إسرائيل"، فماذا لو وقعت الحرب في لبنان؟" وأشارت في تفاصيل التقرير إلى استنفار ثلاثين ألف جندي أميركي في المنطقة لهذه الغاية، واستضافت القناة محللًا عسكريًا تنبأ فيه بنزول الأميركيين في فلسطين المحتلة للقتال إلى جانب "اسرائيل" "في حال انهارت معنويًا". وتشجّعت معدّة التقرير لتسأل المحلل إذا ما كان الأميركيون سينزلون أيضًا في لبنان (!) ليستبعد الأخير ذلك؛ "لأن كلفة ذلك عليهم ستكون غالية جدًا من الناحية البشرية"، لكنه رجح دعمًا ناريًا أميركيًا لـ"إسرائيل" إلى جانب الاستطلاع الجوي. وأتبعت القناة هذا التقرير بآخر عُنون "في حال اندلعت حرب كبرى وشاملة في لبنان... خسائر يومية بمئات الملايين من الدولارات، وما بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 2023 ليس كما بعد حرب تموز/يوليو 2006"، رسم صورة شديدة السواد عن الانعكاسات الاقتصادية لأي حرب على لبنان تتضمن "انهيارات إضافية"، من دون أن تشير إلى انعكاساتها على اقتصاد العدو في المقابل.
لكي تعزّز هذه التغطية "الحربجيّة"، أكملت mtv عدّة القتال باستصراح "ديفيد شنكر" مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق الذي قال إن: " قرار الحرب ("الاسرائيلي" ضد لبنان) يجب اتخاذه ولو كان مؤلمًا، عاجلًا أفضل من آجلًا، فالجيش "الإسرائيلي" يعرف أن الحرب مع حزب الله ستكون مكلفة، وبالنسبة إلى "إسرائيل" فإن حصولها في الوقت العاجل هي حرب استثنائية لم تخضها "إسرائيل" في السابق وكلفة التروّي باهظة".
أما "سكاي نيوز عربية" الإماراتية التي تواكب الاغتيالات الصهيونية في لبنان بـ "معلومات خاصة" عن هوية المستهدَفين، فتطوعت لنقل تصريح حصري عن "مصدر عسكري "إسرائيلي" جاء فيه أن: "حدودنا مع لبنان ستتغير" وأن "إسرائيل مستعدة للهجوم والدفاع في لبنان لكن نعرف أنه لا يمكن الانتصار بالدفاع فقط"!.
كما لا تغيب وسائل الإعلام السعودية عن حملة التهويل على لبنان، وهي تبشرنا بـ "حرب "إسرائيلية" وشيكة" بينما يستمتع إعلام المملكة العائمة على النفط بأزمة الكهرباء في لبنان، متفكّهًا ومتندّرًا.
في المحصلة، تبدو الحرب في الإعلام السائر في ركاب السياسة الأميركية أمرًا حتميًا ووشيكًا، يظهر فيها العدو "الإسرائيلي" الفاعل الوحيد والمؤثر، ويجري قصدًا تغييب عوامل القوة لدى المقاومة اللبنانية ووضعها في مصاف المنفعل وغير القادر على مواجهة مصير محتوم يقرره "الإسرائيلي" حكمًا. ومن خلال إعادة إنتاج صورة "الغول" "الإسرائيلي" الذي يستطيع- لو شاء- ابتلاع الجميع، يعمد الإعلام المتأمرك والمطبّع مع العدو الى بث الخوف والوهن، مستصرحًا شخصيات ومواطنين مستسلمين طوعًا أو كرهًا لهذا المناخ المعمَّم ليقدموا كل فروض التنازل للعدو والبراءة من دم هذا الصدّيق اللبناني أو الفلسطيني من أجل العيش بـ "أمن وسلام ورخاء" في ظل الحراب "الإسرائيلية".
بمعزل عمّا إذا كانت هناك حرب أم لا، وعمّا اذا كان حجمها - في حال وقعت- مصغّرًا أو موسّعًا، يتفنن الإعلام المعادي بألوانه المختلفة في ضرب معنويات الناس من أجل الإثارة وتحقيق مكاسب رخيصة، وهو يحاول أسرهم بتصورات قهرية لحملهم على التسليم بهزيمة وقعت (في نظره) قبل أن تقع!!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024