نقاط على الحروف
"ما اسمهاش" .. مقاومة تحريف الهوية الفلسطينية
يبدو أن المبادرة الاستثنائية التي أطلقتها حملة "ما اسمهاش" بعد الحرب الصهيونية الوحشية على قطاع غزّة، لم تكن وحدها كافية لإعادة برمجة اللغة الإعلامية العربية على استخدام أسماء المدن والمناطق الفلسطينية بتسميتها الأولى. ورغم المقاطع الترويجية للحملة التي انتشرت والدعوات المستمرة إلى اعتماد التسميات الأصلية، إلا أن الخطأ لا زال سائدًا، والتسمية "الإسرائيلية" لا زالت هي الأكثر استخدامًا في العديد من المواد الإعلامية والصحفية.
يجد البعض أن المقاومة بشكليها العسكري والاقتصادي تعدّ الأكثر تأثيرًا وفعالية في مواجهة العدو. لكن في ظل ثورة التكنولوجيا والتواصل الفائقة التطور والانتشار التي نشهدها، لم تعد المقاومة الثقافية أقل شأنًا من الأشكال الأخرى، لا سيما وأن الحرب الإعلامية والنفسية تشكّل جزءًا من المعركة ككل ولا يمكن التهاون أبدًا في التعامل معها. ومن هنا لا بدّ من إدراك أهمية أن نخلّد التاريخ الفلسطيني بكلّ تفاصيله، منعًا لاندثاره تحت وطأة الاحتلال بكلّ وجوهه.
واحدة من المبادرات الفاعلة في هذا السياق، هي الحفاظ على التسمية الفلسطينية الأولى للأماكن والمدن المحتلة بعد أن غير الاحتلال أسماءها. وهنا تكثر الأسماء وتتعدد، لكن الأكثر استعمالًا وشهرةً هي المدن، "إيلات" التسمية "الإسرائيلية" لأم الرشراش"، و"أورشليم" التي هي القدس، و"بير شيفاع" التي اسمها بئر السبع، و"نتانيا" التي اسمها أم خالد، و"عكو" التي أصلها عكا، و"كريات شمونة" التي أسمها الخالصة، و"تسريفين" التي اسمها صرفند، و"يزرعيل" التي اسمها العربي زرعين.
إلى جانب هذه الأسماء ثمة تسميات أخرى، مثل "تسيبوري" التي كانت تسمّى صفورية، و"أحيهود" التي اسمها الأصلي البروة، و"مفترق شوكت" التي اسمها المسمية، و"أشكلون" التي اسمها عسقلان، أما "كريات جات" فاسمها الأصلي قرية عراق المنشية/الخليل، و"كيرم شالوم" اسمها كرم أبو سالم، و"اللود" اسمها اللد، و"بيت شيمش" اسمها بيت الشمس/قضاء القدس، "بيت جيمل" واسمها العربي دير الجمال، و"زخاريا" واسمها قرية زكريا.
الجدير بالذكر، أن "إسرائيل" غيّرت أسماء آلاف المواقع الفلسطينية، بما في ذلك المدن والقرى والبلدات والوديان والمرتفعات والطرق، منذ احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزّة عام 1967. ووفقًا للجنة المسميات الحكومية "الإسرائيلية"، فقد تم تغيير أسماء أكثر من 7000 موقع فلسطيني، منها أكثر من 5000 اسم مكان جغرافي، وعدة مئات كانت أسماء مواقع تاريخية، وأكثر من ألف كانت أسماء مستعمرات جديدة.
التسميات الفلسطينية الحاضرة في أذهان الكثيرين من المناصرين للقضية، غابت عن العديد من رواد الإعلام بكلّ أشكاله، وكذلك في منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها. وفي الكثير من الأحيان قد يكون التمنّع عن استخدامها غير مقصود، ومردّ ذلك إلى أن الأجيال الحالية المعاصرة للقضية اعتادت على استخدام هذه المصطلحات التي تناقلتها الأجيال السالفة منذ نشوء هذا الاحتلال. وفي أحيان أخرى، يبدو الأمر مقصودًا بالطبع، والأنظار هنا تتّجه إلى إعلام الأنظمة المطبّعة والصديقة، التي اعترفت بالكيان المحتل بكلّ معالمه وكان أحدها "ثقافته" المزيّفة، لذا كان من الضرورة المقرونة بالإلزام أن تُستخدم التسميات "الإسرائيلية" بدلًا من الفلسطينية.
أهمية استخدام التسميات الأصلية تأتي من إدراك هدف الاحتلال من تغييرها. إن سعي "إسرائيل" إلى تهويد أسماء المدن والمناطق الفلسطينية، يعدّ جزءًا من سياسة طمس الهوية الفلسطينية وشكلًا من أشكال محاولاتها المستمرة للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، حيث تعمد لتغيير التسميات بهدف تأكيد سيطرتها على الأرض، والهدف الأهم هو تغيير التاريخ الفلسطيني من خلال تغيير أسماء المدن الفلسطينية، بهدف تأكيد روايتها عن تاريخ فلسطين.
وفي هذا الإطار، ومنعًا لمضي الاحتلال في تنفيذ أهدافه وغاياته، وتفاديًا لكوننا أداة مساهمة في انتشار روايته، يأتي دور الإعلام الفاعل جدًا والمؤثر في الحفاظ على الهوية الفلسطينية ودحض السردية الصهيونية؛ فالإعلام هو واجهة الأمة وصوتها ورؤيتها، وهو الأكثر قدرة على تبيان ونشر صورة الانتماء العربي الحقيقي للقضية بعيدًا عما ترسمه الأنظمة المطبعة، ووقوع بعض الإعلاميين والصحافيين والكتاب العرب في أخطاء كهذه لا بد من استدراكها، حتّى لا تصبح "عادةً" إعلامية وتساهم هذه الأخيرة بطمس التاريخ الفلسطيني، فيكون العدوّ بذلك قد حقق "احتلاله اللغوي" للهوية الفلسطينية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024