نقاط على الحروف
نزلاء "غوانتانامو الإسرائيلي" ضحايا السجّان والإعلام
يُشهَد للعدو "الإسرائيلي" أن لديه مقدرة هائلة على قلب جدول أعمال الإعلام المحلي والإقليمي والدولي، في ما يمكن أن نسميه "تحديد الأجندة" و"تحويل الانتباه" عن القضايا الأساسية إلى قضايا جزئية أو هامشية. وهذه العملية تقوم بها مراكز صناعة القرار السياسية والأمنية في كيان الاحتلال ويتبناها الإعلام "الإسرائيلي"، ومن ثمّ تأخذ مكانها في الإعلام الخارجي.
وقد انشغل بعض الإعلام العربي أمس بقضية احتجاز جنود في معسكر اعتقال "إسرائيلي" بعد ارتكاب عمليات تعذيب منهجية أودت بحياة عشرات المعتقلين الفلسطينيين (الرقم المعلن عنه 36 شهيدًا قضوا في هذا المعسكر، فضلًا عن عدد آخر استشهدوا في مراكز احتجاز أقل حجمًا).
انفجرت القضية بعد تسليط منظمات حقوق الإنسان الضوء على الفظائع الجارية في معسكر "سدي تيمان" شمال غرب بئر السبع في صحراء النقب، ثمّ تلقفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية القضية ونبّهت إلى ما يجري حفاظًا على "سمعة إسرائيل" الدولية. وبالتسلسل، استفاقت قيادة جيش الاحتلال إلى ما يجري لأنها تريد حماية الجنود المرتكبين من أية ملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية مستقبلًا، على قاعدة أن "إسرائيل" تعالج مشاكلها بنفسها ولها قضاؤها الخاص، وهذه حيلة اعتدنا عليها لإبطال مفعول كلّ لجان التحقيق والدعاوى الدولية بحق "إسرائيل" وقادتها المجرمين من السياسيين والعسكريين. مع العلم أن الحديث عن التعذيب والتجويع والمعاملة المهينة في معسكرات الاعتقال يجري منذ شهور عدة ولم تتّخذ قيادة جيش الاحتلال إجراءات جدية لإيقافها.
تقول تقارير موثّقة بشهادات عدة أن المعتقلين في المعسكر السيئ الذكر تعرضوا لألوان الإيذاء النفسي والجسدي الشديد، مما تسبب بإعاقات دائمة لبعضهم، وبعضهم قضوا من جراء غياب الرعاية تمامًا، كما حُرموا من الغذاء والرعاية الطبية، وسلّط السجانون عليهم الكلاب. ونتيجة لذلك، فقدَ الكثيرون منهم عشرات الكيلوغرامات من أوزانهم. والوضع في السجون الأخرى ليس أفضل حالًا، حيث صدرت أوامر بتشديد المعاملة والحرمان من أبسط الخدمات إلى المعتقلين منذ انطلاق طوفان الأقصى في تشرين الأول/ أكتوير الماضي. ومثال على ذلك سجن مجدو في شمالي فلسطين المحتلة حيث قضى عدد من المعتقلين نتيجة الضرب المبرح والإصابة بكسور خطيرة.
وبسبب خروج القضية إلى الإعلام الدولي، تم أمس الاثنين اقتياد بعض الجنود الذين يديرون معسكر "غوانتانامو الإسرائيلي"، كما بات يُدعى، إلى مركز للشرطة العسكرية "الإسرائيلية" في "بيت ليد" شرق طولكرم، وقامت قيامة أعضاء في اليمين الصهيوني فاقتحموا مركز الشرطة وحصل تدافع، لا أكثر، بين حرس المركز والمقتحمين. وتسارعت التعليقات في الأوساط الصهيونية السياسية والإعلامية التي تحذر من "الفوضى" و"الحرب الأهلية".
نجح الإعلام "الإسرائيلي" مرة أخرى في جرّ النقاش بعيدًا عن فضائح جيش الاحتلال. أغرقونا بسجالاتهم الصاخبة وأنسونا سوء معاملتهم لأهل غزّة وأطفالها الجوعى والمرضى والمحاصَرين والمشرَّدين والمنكوبين.
وانساق بعض الإعلام العربي بالأخبار العاجلة والتحليلات الفورية وراء ما يجري في مركز شرطة "بيت ليد"، وكأن "إسرائيل" ستنهار بعد قليل! ونسي الجميع المعتقلين لينشغلوا بأخبار الصراع بين من يريد "الدولة والقانون في إسرائيل" وبين من يريد "الفوضى"!
يشير الاستغراق الإعلامي العربي في الحدث "الإسرائيلي" الداخلي إلى رهانات غير واقعية. صحيح أن تناقضات المجتمع "الإسرائيلي" كبيرة، إلا أنه لا يزال قادرًا على إدارة هذه التناقضات، وبالتالي لا مبرر للمراهنة في الإعلام العربي على انقسام "إسرائيلي" يمكن أن يصيب العرب ببعض الفتات. فكلّ الصهاينة من الموالاة والمعارضة حرّضوا على غزّة، واليوم جميعهم يحرّضون على لبنان، بيني غانتس ويائير لابيد قبل بن غفير.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024