معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

صندوق النقد الدولي.. الفخ الاستعماري القاتل
22/07/2024

صندوق النقد الدولي.. الفخ الاستعماري القاتل


يجري تقديم صندوق النقد الدولي في الكثير من الأحيان على أنه المنقذ الأخير والبطل الخارق القادر على انتشال اقتصادات الدول من انهيارها المحتّم، وفرض الإصلاح الاقتصادي المنشود فيها، إلا أن النتائج الواقعيّة مخالفة تمامًا في أغلب الحالات للأهداف المنشودة، فصندوق النقد الدولي، لا ينجح في تطبيق شروطه وحسب، بل يساهم فعليًا في خلق مشاكل اقتصادية كارثية جديدة.

اتّخِذ القرار بتأسيس صندوق النقد الدولي من قبل 44 دولة في مؤتمر حول القضايا النقدية والمالية، عقد في الولايات المتحدة الأميركية في تموز/يوليو 1944، وقد صُمم لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي وأسعار الصرف والتسويات الدولية. عمليًا يشرف الصندوق على السياسة النقدية والمالية للبلدان، وهو يخصص الأموال لأي دولة عضو تواجه عجزًا في ميزان المدفوعات، أي أن مهمته تتمثل في منع أزمات العملة عندما تصبح الدولة في وضع مفلس.

الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها المبادر الرئيس إلى إنشائه وصاحبة الحصة المسيطرة في مجلس إدارة هذه المؤسسة الائتمانية، احتفظت لنفسها بسلطة لا ينازعها فيها أحد، حيث تستطيع من خلالها أن تسيطر ماليًا على اقتصاد أي دولة تقع في قبضة هذه المؤسسة.

بالعودة إلى الفكرة المحورية، فإن شعار صندوق النقد الدولي "الإصلاحي" والدور "البطولي" المصوّر له، قد أثبت الواقع عكسه تمامًا على امتداد السنوات الماضية، وكشف الأهداف الحقيقية التي يسعى القيّمون على هذه المؤسسة لتحقيقها بعيدًا جدًا عن الشعارات البطولية التي أطلقوها، والدلائل في هذا السياق متعدّدة ومتشعّبة، وربما تحتاج بحثًا مطوّلًا لسرد تفاصيلها وحيثياتها.

يعتبر صندوق النقد الدولي أداةً لتطبيق مبادئ النظام النيوليبرالي، القائم على تحرير حركة رأس المال واعتماد مبدأ الخصخصة وغيرها، وهو فعليًا لا يسعى لمساعدة الدول في تحقيق استقلاليتها الاقتصادية، بقدر ما أن هدفه تحسين صورة الأرقام الاقتصادية بعيدًا عن إيجاد حلول جذرية للمشاكل. وفي نفس الوقت يقدم صندوق النقد ضمانات للمستثمرين بإمكانية الاستثمار في بلد ما، بهدف جذب رؤوس الأموال، مع إهمال الشق المتعلّق بالسياسات والبرامج الإصلاحية للهيكلية الاقتصادية في هذا البلد، مما يعني أيضًا أن المشاكل الجذرية لن يتم حلّها وهذا ما يريده بالتحديد صندوق النقد. 

في هذا السياق المذكور، تتعدد الأمثلة والحالات التي تعكس حقيقة ما يقدمه صندوق النقدي الدولي، لعلّ  أبرزها ما حصل في المكسيك والسودان والصومال ومصر وغيرها من الدول.

خصص صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار للصومال في عام 1980، إلا أن محاولات تطبيق توصيات المنظمة في الحياة الاقتصادية الداخلية للبلاد تسببت بانهيار الاقتصاد نفسه، ثمّ الدولة بأكملها. ونتيجة لذلك، بدأت حرب أهلية دموية أدت إلى انقسام البلاد إلى عدة أجزاء متناحرة، وحتّى الآن، وبعد مرور 44 عامًا على هذا "القرض القاتل"، لا يزال الصومال يعيش في حالة خرابٍ وفقرٍ مدقع.

من الصومال إلى السودان، والمشهد عينه يتكرّر، حيث حصلت الخرطوم عام 1982 على 260 مليون دولار لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد، لكن هذه الإصلاحات وصلت إلى طريق مسدود، وفي نفس الوقت كان لا بد من دفع الديون وفوائدها بملايين الدولارات بأي طريقة. ونتيجة لذلك، تسبب الانهيار الاقتصادي في النهاية بأزمة سياسية في السودان تفاقمت بسبب الانتفاضة المزمنة في جنوب البلاد. وكان يتوجب على السودان، الذي فقد بالفعل نصفه الجنوبي، تسديد هذا الدين المتضخم في ظل العقوبات المفروضة عليه.

التجربة انسحبت أيضًا على المكسيك التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي الذي قدم ما يسمّى بخطة "بيكر" لإنقاذ الاقتصاد المكسيكي، وحصلت بموجبها على قرض بقيمة 3.4 مليار دولار، لكن ماذا حصل بعدها؟
دُمّر الاقتصاد الوطني للمكسيك تمامًا، وحصلت الولايات المتحدة الأميركية، ممثلة في صندوق النقد الدولي، على سيطرة على المالية العامة للمكسيك. والنتيجة كانت تدفق 45 مليار دولار من البلاد إلى الولايات المتحدة الأميركية، فضلًا عن تسبب الفقر الواسع في حركة هجرة كبيرة جدًا إلى بلدان أخرى.

تمثل هذه البلدان نماذج حية عن السياسات "القاتلة" التي أغرق صندوق النقد الدولي - ومن خلفه أميركا - الدول النامية فيها، من دون أن يقدم خططًا واقعية لتحقيق النموّ الاقتصادي، بل على العكس، سعى جاهدًا لعدم تحقيق ذلك كطريقة مضمونة لاستمرار الهيمنة والسيطرة المفروضة من قبله على هذه الدول، لتثبت هذه المنظمة على امتداد عقود من الزمن وليومنا هذا، أنها ليست سوى وسيلة من وسائل الاستعمار السياسي والاقتصادي التي نجحت أميركا جيدًا في إتقانها وتنفيذها.

صندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف