نقاط على الحروف
"ألسنا على الحق".. رسائل ودلالات الشعار العاشورائي لهذا العام
يبخس حق المقاومة وقدرها كثيرًا من يظن أنها تطلق شعارات دون مضمون ودون عمق سياسي وإستراتيجي، دون إرسال رسائل واضحة متعددة الاتّجاهات، وهذه الرسائل تشمل العدوّ والصديق، وبالطبع تشمل البيئة الحاضنة وجمهور المقاومة.
والمتأمل للشعارات السنوية للمجالس العاشورائية لحزب الله، يدرك جيّدًا أنها تأتي مواكبة للظروف والمعطيات والأوضاع السياسية الداخلية والخارجية، ولحجم التحديات وطبيعة التهديدات، والتي تنوعت بين الصبر والنصر، وبين الدعوة لامتلاك البصيرة "إن معي لبصيرتي" وتوضيح سر انتصارات المقاومة عبر الثقافة الحسينية "الحسين سر انتصاراتنا"، وتجديد العهد والبيعة "ونبقى مع الحسين"، ورفض التهديدات والتهويلات على المقاومة "هيهات منا الذلة"، ويمكن بمراقبة الشعارات السنوية بدقة ودراسة متأنية، أن يصل الباحث والمدقق لتأريخ دقيق لمسار المقاومة وتحدياتها ومحطاتها المختلفة.
وهذا العام، وفي قلب معركة وجودية كبرى، وفي قلب حرب إسناد واستنزاف تخوضها المقاومة في لبنان، دشنت المقاومة شعار "ألسنا على الحق"، وهو شعار يرسل عدة رسائل في اتّجاهات متعددة، ويمكن من خلال ذتأمله رصد هذه الرسائل واتّجاهاتها:
أولًا: رسالة إلى بيئة المقاومة وجمهورها لطمأنته وتثبيته ورفع معنوياته بالتأكيد على طبيعة المعركة وصعوبتها وما تتطلبه من تضحيات وبأنها معركة حق وربطها بشكل مباشر بملحمة كربلاء وما بها من ثورية وفداء ومن وضوح للمعسكرات لا يقبل اللبس، وبالتالي فإن هذه المعارك التي تخوضها المقاومة وجمهورها هي معارك عقيدة ودين وتكليف شرعي وتخضع لثنائية النصر أو الشهادة، ومعلوم سلفًا للجميع بقية النص المتّخذ منه الشعار وهو "إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموت علينا".
ثانيًا: رسالة إلى الحلفاء بأن المقاومة في لبنان صامدة وثابتة على خيارها، لأنها قامت بتوصيف المعركة وخلصت إلى أنها معركة حق وباطل، وبالتالي فإنها لن تحيد عن الحق مهما كانت التهديدات والتضحيات، وبالتالي هي رسالة طمأنة لجميع جبهات القتال وجميع الساحات بأنها صامدة وثابتة ولا تقيم وزناً لأي حسابات أخرى غير حسابات الحق، وأنها جاهزة لدفع جميع الأثمان لأنها لا تبالي طالما كانت على الحق.
ثالثًا: رسالة إلى الأعداء بأن المقاومة تخوض معركة وجودية بين حق وباطل ولا مجال فيها لمناورات أو تسويات على حساب الحق، وأن أي ورقة للتخويف أو التلويح بتوسعة الحرب تسقط أمام عدم مبالاة المقاومة بأي انزلاقات وتداعيات لتمسكها بالموقف الذي تراه حقًا.
رابعًا: رسالة إلى المنافقين والوسطاء بأن جميع الحيل ونقل الرسائل المتنوعة بين العصا والجزرة والتهديد والإغراء هي مرفوضة وغير قابلة للنقاش من الأصل، لأن الحق لا يقبل نقاشًا، ولأن المقاومة تعرف جميع التبعات وجاهزة لجميع السيناريوهات.
خامسًا: رسالة إلى الشعوب سواء في الأمة العربية والإسلامية، أو شعوب العالم أجمع، وهي رسالة أخلاقية إنسانية كبرى، بأن ما يحدث في فلسطين هو أمر يتجاوز حدود السياسة والصراعات الجيوسياسية والإستراتيجية، وإنما هي قضية إنسانية وأخلاقية وقضية حق وباطل، واختبار لفطرة وأخلاق كلّ فرد في أي بقعة من العالم، وليست قضية خلافية تحتمل وجهات النظر أو الانحيازات الخاضعة للمصالح، وإنما قضية تقسم العالم بين إنسان متحضر أو لص همجي وإنسان شريف أو مجرم منحرف، كما تعطي القدوة للشجاعة وعدم المبالاة بثمن اتّخاذ موقف الشرف والانحياز للحق.
هذا الشعار جاء متزامنًا مع مناخ ووضع يشهد مناورات سياسية أميركية وصهيونية وأكاذيب وألعاب انتخابية ترمي إلى الإيحاء بأن هناك صفقة وأن أميركا حريصة على وقف الحرب، بينما الممارسات العملية تناقض ذلك من حيث استمرار إمداد العدوّ بالذخيرة وأدوات القتل وتوفير الغطاء السياسي لحربه المجرمة، وكذلك الرسائل المكوكية إلى لبنان، والتي تحاول التنوع بين التهديد والإغراء وإخراج المقاومة في لبنان من وحدة الساحات عبر الطرق السياسية والدعائية كافة وبمعاونة من أدوات داخل لبنان.
وبالتالي فقد جاء الشعار ردًا على كلّ ذلك، وهو معادلة في ذاته إذا ما ترجم إلى لغة سياسية وإستراتيجية، يمكن صياغته بوصفه صموداً وثباتاً على خيار الانخراط في المعركة الراهنة دون أي تهاون أو تنازل، مع الجهوزية التامة لجميع الانزلاقات والتبعات، وإنه خيار غير قابل للمناقشة وخط أحمر سياسي، وخيار المواجهة مستمر إلى نهاية الشوط دون ضوابط أو أسقف إذا ما أراد العدوّ إيصاله إلى مواجهة كبرى.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024