نقاط على الحروف
هكذا تحوّل جنود الاحتلال إلى مجرد أرقام بلا قيمة
كل شيء تغيّر، جيش الاحتلال "الإسرائيلي" لم يعد أسطورة لا تقهر، ولا الجيش الأقوى في الشرق الأوسط، طوفان الأقصى فضح المستور، وكشف القناع عن فقاعة جرى تضخيمها في وعي الشعوب العربية، لجعلها قابعة راضية بالهزيمة والانكسار، ما ولّد لاحقًا فئة من المنبطحين التيئيسيين، ذهبت تروّج حينذاك لمقولة العين التي لا تقاوم المخرز، كتمهد لخيار التسوية والاستسلام.
خلّفت تلك الأسطورة هالة حول جيش الاحتلال، وجعلته في مركز متقدم، ومتفوق على محيطه العربي، ليس بفضل امتلاكه أحدث التقنيات والأسلحة، بل بفعل الدعاية الصهيونية، التي مجّدت جيش الاحتلال وتباهت بفرقه الأمنية واغتيالاتها، بمواجهة المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وأعلت شأن موارده البشرية، وهو ما برز بمواصلة اهتمامه وبحثه عن جنوده المفقودين خلال الحروب مع جيوش العرب، منهم جنديّان فقدا في معركة المالكية عام 1948 وبقي يواصل بحثه عنهم لعقود من الزمن، ومنهم الطيار "الإسرائيلي" المفقود رون آراد الذي بقي ملف البحث عنه مفتوحًا حتّى ما قبل طوفان الأقصى، وكذلك الجنود المفقودون في معركة السلطان يعقوب، بالإضافة إلى الجاسوس "الإسرائيلي" في سورية إيلي كوهين، والذي مجّده "الموساد" بمسلسلات وأفلام، وبقي جيش العدوّ يحاول استعادة جثته، حتّى تمكّن من تنفيذ عملية كوماندوس عام 2018 مستغلًا الأحداث الإرهابية في سورية ليستعيد ساعة يده.
الى هذا الحد كان العدوّ يولي أهمية لجنديّه "الخارق"، وخير شاهد صفقات تبادل الأسرى المتعددة مع المقاومة، وأبرزها صفقة التبادل التي سمّيت بعملية الرضوان عام 2008، وصفقة استعادة الجنديّ جلعاد شيالط التي أفرج العدوّ بموجبها عن 1300 أسير لاستعادته. لكن يبدو أن الأمور بعد الطوفان تغيرت، إذ بدا جيش العدوّ منذ البداية غير مهتم بأسراه لدى "حماس"، وغير آبه بعودتهم، بل غير مكترث لمصيرهم حتّى، خصوصًا حينما تكرّرت حوادث قتل فيها العدوّ أسراه، وحتّى حينما حاول تصوير إنجاز بأنه حرر أربعة أسرى أحبطت المقاومة هذا التوظيف الدعائي والاستعراضي لنتنياهو، بعرض فيديو يُظهر أن جيش العدوّ قتل ثلاثة من أسراه خلال تلك العملية ما أشعل أهاليهم غضبًا.
فقد الجنديّ الصهيوني قيمته في جيش العدو، واهتزت الثقة بينه وبين مؤسسته العسكرية، وإذا كانت تلك القيمة هي سبب انضمام الصهاينة للجيش، لأنهم كانوا يعتبرون أن جيشهم لا يتركهم، فإن فقدانها تسبب بانعدام الثقة بالجيش وهذا ما دفعهم لعدم الحماسة للتجنيد والالتحاق أو الانضمام اليه، بل وحتّى إلى تسرب عدد كبير منهم ورفضهم الالتحاق بخدمتهم، هذا في وقت يعاني فيه هذا الجيش من نقص في الموارد البشرية ما اضطره للجوء تارة إلى المرتزقة الأوروبيين بأكلاف مالية باهظة للقتال في غزّة، وطورًا إلى محاولة تجنيد "الحريديم"، الذي يرفضون الالتحاق بالجيش لأسباب دينية.
وقد باتت الثقة بين جنرالات جيش الاحتلال وقادته السياسيين معدومة، وهذا ما تجلى بداية يوم فرض رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو تفتيش قائد أركان جيشه بحثًا عن مسجل صوتي قبل دخوله إلى جلسات مشاورات أمنية لمجلس الحرب، في خشية واضحة من تداعيات العدوان على الغزّة، واحتمال لجوء المستوى العسكري لاحقًا إلى تحميل المستوى السياسي مسؤولية فشل الحرب على غزّة، تأسيًا بتقاذف كرة الفشل الذي حصل بعد حرب تموز 2006، كما تجلى انعدام الثقة بين الساسة والجنرالات مؤخرًا من خلال دخول سارة نتنياهو زوجة نتنياهو في حلبة الصراع مع زوجها ضدّ الجيش "الإسرائيلي" واتهامها القيادة العسكرية بمحاولة الإطاحة بزوجها عبر تنفيذ انقلاب عسكري ضدّه، وفي ذلك لغة تخاطب جديدة وتشكيك واضح بين المستويين.
من هنا بدأ نقاش جديد يطفو على السطح، خلاصته من يخدم من؟! الجيش "الإسرائيلي" في خدمة الحكومة أم الحكومة في خدمة الجيش؟! وذلك بعدما تولد شعور لدى جنرالات الجيش بأن الطبقة السياسية لا تكترث لتحول غزّة إلى مقبرة لجنودها، فحينما يوصي الجيش بضرورة وضع مسار سياسي أو إيقاف الحرب ولا تعمل الحكومة على اليوم التالي، فهذا يعني أن الجيش الذي هو العمود الفقري لم تعد كلمته مسموعة، وهذا ما يفسر خروج الجنرالات (غانس - ايزينكوت) من مجلس الحرب. وهنا يبرز حديث الوزير المتطرّف سيموريتش الذي وصف فيه كبار المسؤولين الأمنيين بـ"عميان ومنعزلين" معتبرًا أن "التحدي الرئيسي الذي يواجهنا الآن هو التأكد من أن "إسرائيل" دولة لديها جيش وليس العكس ومطالبة الجيش "الإسرائيلي" بمواصلة القتال حتّى النصر للاستعداد للحفاظ على السيطرة العملياتية الطويلة المدى في القطاع..".
الجنديّ الصهيوني، الذي كانت كتفه مزهوة بالأوسمة والنياشين، بات اليوم يُدفن فيبعض الأحيان في ليلة ظلماء ودون مراسم ولا إطلاق 21 طلقة ولا كلمات من قادة الجيش أو القادة السياسيين. من الواضح أن الطبقة السياسية تزج به في أتون النار وتتفرج عليه، وهو يحترق. لقد فقد الجنديّ الصهيوني تلك الهالة التي أحاطت به منذ تأسيس جيش العدو، وبات بلا قيمة، مجرد أرقام في مقابر، معظمها تدفن ولا يعلن عن مقتلها، بسبب دمغة "سمح بالنشر" والتقييد والرقابة الإعلامية الصارمة التي ينتهجها جيش الاحتلال في معركته منذ بداية طوفان الأقصى.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024