نقاط على الحروف
الحرب النفسية: العدوّ يسدّد داخل مرماه!
شاع في الفترة الأخيرة مصطلح "الحرب النفسية" في إطار توصيف ما يقوم به العدوّ من محاولات مستميتة تسعى إلى بثّ روح الهزيمة والضعف في صفوف أهل المقاومة، باستخدام الأدوات الإعلامية والمنابر الواقعية والافتراضية. اعتمد العدوّ لهذا الغرض الترويج للأكاذيب والأضاليل وبثّ التهديدات الواهية بشكل مباشر عبر الناطقين باسمه أو العاملين لديه أو حتّى مقدّمي الخدمات المجانية له بدافع الحقد الخالص أو غيره. واستخدم صيغ المخاطبة المباشرة وغير المباشرة في هذا السياق ليحقّق ما يعجز عنه في الميدان العسكري. فتارّة متحدّث بالعبرية يصرّح بتهديد ووعيد ضدّ لبنان، رغم إدراكه أنّ ما يهدّد ويتوعّد به غير قابل للتنفيذ، وتارّة تُعطى تعليمات لمتحدّث بالعربية كي يقوم بذلك بطريقته الخاصة والتي قد تظهر على شكل تباكٍ وتعاطف وتخوّف يبتغي التخويف من الآتي، أو على شكل تصويب شائن ضدّ المقاومة ورموزها وثقافتها وكلّ ما يدور في فلكها.
تعرّف الحرب النفسية بـ"الحرب التي تستخدم فيها الدعاية من أجل التأثير على أشخاص بين أوساط العدو"، وبأنّها "عملية منظمة شاملة، يُستخدم فيها من الأدوات والوسائل ما يؤثر على عقول ونفوس واتّجاهات الخصم"، وقد تتزامن هذه الحرب مع حرب عسكرية كما نشهد في هذه الأيام، أو تدور مجرياتها في أيّام الهدوء على الجبهة بين معركتين، وهذا ما شهدناه بكثافة منذ تموز ٢٠٠٦ وحتّى دخول جبهة الإسناد في لبنان في معركة "طوفان الأقصى".
بناء على هذا التعريف، يمكن الجزم بأنّ العدوّ لقي في هذا الميدان هزيمة مذلّة تشكّل انعكاسًا مسبقًا لهزيمته العسكرية، أو تمهّد لها. في الواقع، تُقاس فعالية الأدوات المستخدمة في الحرب النفسية بفعاليتها وتأثيرها، تمامًا كما في الحرب العسكرية. بكلام آخر، كما يمكن تقييم فعالية قنبلة أو صاروخ من خلال قياس الأثر التدميري له في المكان المستهدف، يجري تقييم الدعاية أو المقابلة أو المقالة أو التصريح أو حتّى المنشور المستخدم في الحرب النفسية من خلال قياس أثره في نفوس المستهدفين، وما دام هذا الأثر صفرًا، فالحديث عن فشله هو حديث موضوعي علميّ مثبت، بمعزل عن الموقف منه. وبالتالي القول بأنّ العدوّ يلقى في الميدان النفسي هزيمة مرّة هو قول علمي موضوعي، قياسًا بالصفر الذي يتركه تأثيره في نفوس أبناء بيئة المقاومة، المستهدفين في حربه النفسية.
في الأمثلة، يواصل الناطقون العسكريون والسياسيون في صفوف كيان الاحتلال التصريح عن تهديدات ضدّ لبنان، وعن لائحة طلباتهم ورغباتهم التي تتضمّن إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني. الهدف من هذه التهديدات هو بطبيعة الأحوال ترهيب بيئة المقاومة وكلّ اللبنانيين كي يقوموا بالضغط على المقاومة كي تتراجع. وقبل أن يجيب الناس هنا عن هذه الترّهات، يصدر من داخل الكيان صوت سياسيين وعسكريين أيضًا، كي يهزأوا بهؤلاء الناطقين ويقرّعوهم عبر فضح عدم قدرة "إسرائيل" على تنفيذ ما تتوعّد به على لسان سياسييها وعسكرييها. وفي هذا الإطار، يمكن متابعة الصحف اليومية الصادرة يوميًا في كيان الاحتلال والتي تنشر الكثير من التصريحات الرسمية أو التسريبات نقلًا عن ضباط وساسة، وجميعها تتحدّث عن الوهن الذي يصدّع قدرة الكيان على الردع أو على حماية نفسه.
وأيضًا، جميعنا قرأنا مقالة "دايلي تلغراف" حول مطار بيروت والتي يراد منها بثّ رسالة ترهيب بتوقيع "إسرائيلي" في سياق الحرب النفسية والإعلامية ضدّ حزب الله، وجميعنا أيضًا رأينا كيف ارتدّت هذه القنبلة على الصهاينة أنفسهم، فعدا عن انفضاح الكذبة، كشفت عجزهم عن التجرّؤ على المطار خوفًا من ردّ المقاومة على ارتكاب كهذا، علمًا أنّه في العام ٢٠٠٦ أخرج العدوّ مطار بيروت عن الخدمة منذ الأيام الأولى للمعركة. بكلام آخر، روّج الصهاينة لكذبة تخزين الصواريخ في مطار بيروت، فسألهم جمهورهم "ما دمتم تعلمون بذلك فلماذا لا تقصفونه!؟"، فسكتوا!
على صعيد آخر، أو لنقل في إطار الحرب النفسية بالجانب الذي يستخدم فيه العدوّ أدواته المحليّة، سواء التاريخية أو المستحدثة، فالفشل الذريع عنوان لطيف لتوصيف ما يجري. كلّف العدوّ مجموعة من الخائبين ليطبّلوا له ويخدموا أهدافه في المعركة النفسية، فلم يكتفوا بالعجز عن تحقيق أيّ هدف، بل تحوّلوا بفعل حماقاتهم المتكرّرة إلى عبء نفسي ومعنويّ عليه. أظهر هؤلاء كلّ حقدهم على بلدهم دون أن ينجحوا في تحقيق أي مسعى من مساعي مشغّلهم، فازدادت عزلتهم وانكشف خواؤهم الأخلاقي والوطني أكثر فأكثر، حتّى باتوا عبارة عن عصبة بالكاد تمثّل نفسها، منفصلة عن الواقع ومتلعثمة في كلّ قول أو حديث. والأمثلة الحيّة هنا بتعداد هؤلاء الذين ارتبط اسم كلّ منهم بنكتة ساخرة، أو بفيديو تهكّمي يبدع روّاد منصات التواصل الاجتماعي من أهل المقاومة في تسجيله ونشره وتداوله.
بالعودة إلى مصطلح "الحرب النفسية" بكونه يعبّر عن "حرب العصر" وبكونها تهدف إلى تغيير أفكار وسلوكيات واستراتيجيات الفئة المستهدفة فيها، يمكن القول بثقة تامّة، إن العدوّ الصهيوني اليوم يحاول تسديد الأهداف في مرمى المقاومة، فيصيب مرماه ويعجّل في إعلان هزيمته.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024