معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن سينما القضية الفلسطينية..
31/05/2019

عن سينما القضية الفلسطينية..

هبة العنان

بعد عام من ولادة أول فيلم سينمائي في العالم للأخوين أوغست ولوي لوميير سنة 1895 في باريس، أرسل الأخوان طاقما من المصورين إلى مدن مختلفة في العالم من ضمنهم جان ألكسندر بروميو، الذي جاء بكاميرا "السينماتوغراف" إلى فلسطين، وصوّر 10 أفلام قصيرة في القدس في الفترة ما بين 3 نيسان و25 نيسان 1897، تتراوح مدّة كل منها بين 45 و55 ثانية، لتكون هذه نقطة الانطلاق لحكاية السينما في فلسطين، والتي تفاعلت فيما بعد مع قضيتها الوطنية في محاولة لتشكيل الوجدان والوعي بأهميتها.

السينما الفلسطينية لم تشبه في بداياتها أي سينما أخرى في العالم، فهي ليست تجارية ولا يوجد لها سوق محدد، وهي لا تطبق قوانين السوق على إنتاجها ومواضيعها، ومعظم الأفلام انتجت لتوثق القضية الفلسطينية ولتشكل سجلاً مرئياً للإنسان الفلسطيني.

البداية كانت من خلال "عزيزة أمير" إحدى رائدات السينما المصرية التي أنتجت وكتبت قصة وسيناريو فيلم "فتاة من فلسطين" الذي أنتج بعد النكبة مباشرة في عام 1948، وأخرجه محمود ذو الفقار، تلته أفلام مثل "الله معنا" إخراج أحمد بدرخان،  و"أرض الأبطال" إخراج نيازي مصطفى، وكذلك "وداع فى الفجر" لحسن الإمام، و"أرض السلام" مع المخرج الكبير كمال الشيخ، و"الناصر صلاح الدين" ليوسف شاهين، الذي يُعتبر من أهم الأفلام التي ركزت على قضية القدس، باعتبارها قضية عربية يجري حولها الصراع.

عن سينما القضية الفلسطينية..

بعد ذلك بعقود، صنع عدد من المخرجين اللبنانيين مساراً مختلفاً للسينما المتخصصة بالقضية الفلسطينية، فبدايات الحرب الأهلية فرضت واقعاً جديداً بالنسبة للمخرجين، إذ نشطت "مؤسّسة السينما الفلسطينيّة" في بيروت منذ مطلع السبعينيّات بإنتاج أفلام وثائقيّة عن القضيّة الفلسطينيّة والعمل النضاليّ والوضع في المخيّمات، منها أعمال للمخرج جان شمعون وزوجته مي المصري وآخرين كجوسلين صعب، رندة الشهال، مارون بغدادي، وبرهان علويّة.

منذ أعماله الأولى، وجه شمعون تركيزه على الحرب وجنوب لبنان خلال الاحتلال والقضية الفلسطينية. قارب هذه المواضيع من جوانب مختلفة، خاصة الجانب الإنساني، وتأثير هذه الأحداث على الفرد، والطفل، والمحارب، والمرأة.

بدايات شمعون كانت مع وثائقي "تل الزعتر" (1976) الذي أنجزه مع المخرج الفلسطيني الرائد مصطفى أبو علي وبينو أدريانو، والذي تناول شهادات من أيام الحصار والمعارك لمسعفين طبيّين، كانوا داخل المخيّم منذ بدء المعارك الطاحنة في 17 حزيران/يونيو حتى 12 آب/أغسطس 1976. تتقاطع مع الشهادات مشاهد من قلب المخيّم الذي وضمّ مجموعة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيّين إلى جانب الكثير من اللّبنانيّين القادمين من جنوب لبنان.

عن سينما القضية الفلسطينية..

عمل شمعون على تصوير المرأة الفلسطينية واللبنانية المقاومة ويومياتها وحالتها في خضمّ جميع تلك الأحداث: مع نساء الجنوب في "زهرة القندول" عام 1985، والطبيبة في الجنوب في "رهينة الانتظار" عام 1994... وكفاح عفيفي، وسهى بشارة والأسيرات المحرّرات من معتقل الخيام في "أرض النساء" (2004)، ووداد حلواني في "أحلام معلّقة"، فيما تبدو مقاربة العلاقة اللبنانيّة - الفلسطينيّة مختلفةً في أفلام شمعون إذ تتشارك شخصيّات الأفلام، مهما كانت هويّتها، المعاناة نفسها من حربٍ واعتقالٍ وتهجير.

أما المخرج برهان علوية فوقّع أفلاما ثبّتت مكانته في ذاكرة الجمهور والنقاد وخدمت القضية الفلسطينية وكانت نقطة بداية مسيرته السينمائية الفنية، والتي عُدّت مفترق طرق في السينما العربيّة البديلة، حيث كتب علوية الحوار والسيناريو مع الراحل عصام محفوظ.

ويقول علوية حول "كفر قاسم" : "جمعنا الثورتين في وعينا، واقتنعت بالسينما أداة تغيير فعالة وسلاحاً إيديولوجياً"، ويضيف: "جاء في توقيت صائب، ولجمهور عربي يريد هذا النوع من السينما. أنا سعيد لأن الفيلم لا يزال يُشاهد بالطريقة التي صُنع بها. كأن الزمن أحبّ هذا الفيلم واعتنى به .. العروبة وعبد الناصر صنعا وعينا، وفلسطين هي التي أدخلتني إلى السينما. كان يمكن أن أدرس شيئاً آخر".

لا يمكن المرور على حقبة السينما اللبنانية المتخصصة بالقضية الفلسطينية دون ذكر "ستوديو بعلبك" الذي لفظ أنفاسه الأخيرة قبل أعوام عديدة، تاركا إرثًا ذهبيًّا وتسجيلات صوتية وأرشيفاً من الأفلام شكّلت نقلة نوعية في تاريخ سينما القضية.

عن سينما القضية الفلسطينية..

في أواخر الستينيات من القرن الماضي، كان لإعلام هذه الثورة المرئي والمسموع مكان في خدمات ستوديو بعلبك والتقنيات المتوفرة لديه، فنظمت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "ورشة عمل مسرحية في نهر البارد" انتهت بإنجاز مسرحية "طفل بلا عنوان"، الذي منحها الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني اسمها، وهي التي كانت شرارة التفكير بإنجاز وثائقي عن مخيم "النهر البارد"، الذي تحقق بنجاح عام 1971، وقدم صورة ونبرة سينمائية مختلفة، جاءت عن طريق إمكانيات وتقنيات قدمها ستوديو بعلبك. وقد طالبت الشركات التي صورت أفلاماً فلسطينية في الستوديو من القيمين عليه إرجاع كل ما تم تصويره فيه.

اليوم تحتاج السينما الثورية الفلسطينية الى أرشيف شامل يوثّق أعمالها، خاصة تلك التي اعتمدت على الأفلام القصيرة وكانت بمثابة الذاكرة البصرية لفلسطين وشعبها، التي يحاول العدو الإسرائيلي محوها من التاريخ بكافة الوسائل.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل