نقاط على الحروف
كوميديا الكيان وخط أميركا الأحمر
هذه حقًا هي المسرحية الهزلية، وهي الكوميديا بعينها، حين يتنافخ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ويقسم أنّه سيقف وحده في وجه الطوفان، وسيقاتل وحده كما كان شعبه و"دولته" المزعومة دومًا يقاتلون، وكأيّ ثوريٍّ عتيدٍ قديم، نقَحَت في عروقه رومانسيته الشائخة، يقول "سنقاتل إن اضطررنا بأظافرنا"، وذلك في معرض ردّه على قرار الرئيس الأميركي بتعليق بعض شحنات الأسلحة للكيان.
وهذا تطوّرٌ طبيعيٌ للنزق الثوري العتيد الذي مارسه نتنياهو منذ أيام الحرب الأولى، حين كان يردّد كأيّ ثورىٍ شاخت أحلامه الوردية "لن نستسلم لحماس، لن نرضخ لحماس"، وهذه لغةٌ كان يحترفها الثوريون المغلوبون على أمرهم، وكانوا يتلطون خلف شعاراتٍ رنانة خشية مواجهة هزائمهم، والمنطقي أن يردّدها الأضعف في مواجهة الأقوى.
أمّا أن يعيد تكرارها على مسامع العالم من يمتلك قدرة نارية هائلة، ويردّد أنّه سيقاتل بأظافره، ولديه من السلاح ما يكفي لهزيمة 20 جيشًا عربيًا في ساعاتٍ معدودة، يعني أنّ الوقاحة ليست سلوكًا اجتماعيًا فرديًا، بل استراتيجيات سياسية، وهذا طبيعي حين تتحول العصابات الإجرامية إلى دوّل، ويمنحها تواطؤ العالم الشرعية.
عصابات "الهاجاناه" و"شتيرن" وأمثالهما تحولت إلى"دولة" في العُرف الدولي، لذلك حين يقول ساسة العصابة بأنّهم يجب أن يجتاحوا رفح "ليعلم العالم أننا لسنا محمية أميركية"، لا تعرف أهذه وقاحة جينية أم دراسة جامعية؟! ومع ذلك؛ الحقيقة أنكم لستم محمية أميركية، أنتم أدنى من ذلك بكثير، أنتم مجرد حاملة طائرات برية، وأقل تكلفةً من حاملة طائرات بحرية، وإن أعلى قيمة.
ما يحدث منذ دخول قوات العدوّ إلى رفح هو سيناريو أميركي مرسوم سلفًا، قبل إعلان حماس موافقتها على ما عُرف بالمبادرة المصرية، مع أنّها أميركية في الأصل. ولكن موافقة حماس غير المتوقعة، أربكت بعض الحسابات الأميركية، وبالتالي طرأت بعض التغيّرات على الخطة الأصلية، منها هذا التركيز المفرط إعلاميًا وسياسيًا على الخلاف الأميركي - الإسرائيلي.
وهو خلافٌ مزعوم لتحقيق بعض الأهداف السياسية والعسكرية، ليس أولها محاولة إغواء حماس بنزاهة الوسيط الأميركي، وتحصيل تنازلات تفاوضية جديدة، كما ليس آخرها ترتيب أوراق التنصل الأميركي من نتائج معركة رفح المحسومة سلفًا، سياسيًا وعسكريًا وقانونيًا وأخلاقيًا، لأنّ القاعدة الأميركية أنّ الغُنم لها والغُرم لأدواتها.
حتّى اللحظة لم يعلن طرفٌ أو وسيط انهيار المفاوضات، ويبقي الجميع على جذوة الآمال بالتوصل إلى اتفاقٍ قائم، وهو ما يعني أنّ العدوّ يدرك أنّ معركة رفح كالمشي على حدّ السيف، لا مجال فيها للخطأ، خصوصًا أنّ الولايات المتحدة تدرك عقم النتائج الميدانية أولًا، كما تدرك حجم المجازفة بتصعيد جبهات محور المقاومة ثانيًا، وأنّ سياسة العصا والجزرة سقطت بالضربة القاضية في مواجهة أطراف المحور مجتمعين أو منفردين.
لم تصل الولايات المتحدة لقناعةٍ بأنّه ليس بالإمكان أفضل ممّا كان، وتحاول بكلّ السُبل انتزاع مكتسباتٍ جديدة عبر ممارسة جرائم الحرب اليومية، من العقاب الجماعي وسياسة التجويع والقتل والتدمير، ولا شيء سيردع الولايات المتحدة سوى خشية توسّع الحرب إلى جبهاتٍ قاسيةٍ ومجهولة في حدود القوّة والقدرة.
وستقوم حاليًّا بممارسة سياسة القضم، أيّ التوغل في رفح بالتتابع، ومع كلّ توغلٍ جديد، جولة تفاوضية جديدة، وتراشق أميركي - إسرائيلي بالخلافات المزعومة، وحديث عن الخطوط الأميركية الحمراء التي لم ولن تتجاوزها "إسرائيل"، ولا ننسى طبعًا الشجب المصري الصاعق مع كلّ مرحلة، وكلّ شجبٍ أصعق من سابقه! وكأننا لم نسمع شجبًا!
والخط الأميركي الأحمر الوحيد هو توسّع الجبهات، أمّا سلوكيات الكيان المؤقت فلا خطوط حمراء فيها، حتّى لو قام بقصف حاملة طائرات أميركية، وهذا الخط هو ما سيدفع الولايات المتحدة باتّجاه وقفٍ فوريٍ للحرب، وبشروط حماس، من باب احتواء الخسائر وتقليلها.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024