نقاط على الحروف
جبهة لبنان بين الإعلام العبري و"العربيّة"
منذ انطلاق جبهة الإسناد في لبنان في الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، وفرار المستوطنين من شمال فلسطين نحو الوسط خوفًا من ضربات المقاومة في لبنان، تكبّد العدوّ الكثير من الخسائر البشرية والمادية، سواء في المواقع العسكرية الواقعة في شمال فلسطين أو في المستوطنات. وإن كان يحاول جاهدًا إخفاء الجزء الأكبر من هذه الخسائر ويمنع إعلامه من التداول بها، فإنّه لم يستطع ولن يستطيع إخفاء رعب المستوطنين من العودة إلى وحداتهم السكنية في الشمال ولا الرهاب الذي يصيب جنوده حال دخولهم مرغمين إلى ما يسمّونه "الجبهة الشمالية".
بين ما يُسمح بنشره وما يُمنع في الإعلام العبري، يمكن لأي متابع ملاحظة المخاوف الصهيونية من المواجهة مع حزب الله، والتي يُعبّر عنها هذا الإعلام على لسان محلّليه العسكريين وصحافييه ومراسليه؛ فقد قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إنّ "حزب الله بعيد عن الهزيمة" في إطار قراءتها للوضع في المعركة على جبهة جنوب لبنان، وأضافت أنّ "المأزق الاستراتيجي لا يبدو أنّه أمام حل".
كما كشفت وسائل إعلام "إسرائيلية" بيانات متعلّقة بحجم الاشتباك في جبهة شمالي فلسطين المحتلة، مشيرةً إلى أنّ المعركة في الشمال "مثيرة للغيظ" بسبب الدمار الذي أصاب المستوطنات وحوّلها إلى مدن أشباح. كذلك، لا ينفكّ هذا الإعلام يعبّر عن المخاوف المتعاظمة من قدرات حزب الله، وعن وجوب تجنّب توسيع المواجهة معه بسبب فداحة الخسائر المتوقّعة وبالتالي اجتنابًا للهزيمة المذلّة التي لن يكون بالإمكان إخفاؤها كما يجري مع تلك التي يتجرّعها كيانهم ضمن "معركة الاستنزاف" الجارية في شمال فلسطين. وأكثر من ذلك، يسخر الإعلام الصهيوني من قيادات كيانه الذين يكابرون أو يقومون باستعراضات كلامية تهديدية فارغة في ما يتعلّق بـ"جبهة الشمال"؛ فبالأمس مثلًا، علّق مراسل "يديعوت أحرونوت" على تصريح وزير الحرب "الإسرائيلي" يوآف غالانت: "يقول إن الصيف القادم في الشمال سيكون ساخنًا، نحن بحاجة إلى وزير حرب وليس متنبئ للأرصاد الجوية".
هذه هي أجواء الإعلام العبري في تغطيته وتحليله لما يجري في شمال فلسطين، وفي تعبيره عن رؤيته لشكل المعركة مع حزب الله. وهي أجواء مختلفة تمامًا عن تلك التي نراها على سبيل المثال على قناة "العربية". هنا، لا مجال للإقرار بقوّة المقاومة، وإن كان الصهاينة أنفسهم يحاولون مقاربة ما يعرفون عن قدرات حزب الله بشكل موضوعي في سبيل فهم المسارات التي قد يؤدي إليها توسيع المواجهة معه، ويتحدثون جهارًا عمّا قد يمتلك من قدرات لم تزل غير مستخدمة في المعركة، فإن الملكيين أكثر من الملك يلتفون على الوقائع والحقائق، ويجتهدون في ترقيع صورة "البعبع" الذي لم يعد يخيف أحدًا. ينقلون تهديداته الواهية، حتّى تلك التي يهزأ بها المستوطنون أنفسهم. يعنونون بالتساؤل: "بعد الاجتياح "الإسرائيلي" البري لرفح، ماذا ينتظر لبنان في الأيام المقبلة؟" ويجيبون بسيناريوهات تهويلية. ينقلون عن العدوّ أقاويله التهديدية دون أن يتناولوا ولو على سبيل التظاهر بالموضوعية الأجواء الصهيونية التي تتحدّث عن رعب "إسرائيل" من المعركة مع حزب الله وعن حالة القلق الهستيري من "جبهة الشمال" في صفوف المستوطنين والعسكر. يعنونون في السياق التهويلي المتصهين نفسه: "المهمّة ضدّ حزب الله لم تكتمل.. والصيف قد يكون ساخنًا". العنوان كما المضمون يحاول الإيحاء بأن "إسرائيل" تفعل ما تشاء وتنفّذ ما ترغب من دون أن يكون هناك احتمال لأن يردعها أحد!
بشكل أو بآخر، ولو أمكن أن يطالب المرء قناة "العربية" بشيء، فالمطالبة الوحيدة تكون بأن تتماهى مع الإعلام العبري أكثر، على الأقل بمعيار الانتماء إلى مستنقع الصهيونية نفسه، ولا فرق ها هنا بين الوكيل والأصيل، عدا أنّ الأوّل الذي تمثله "العربية" هو بأحسن أحواله صورة ممسوخة عن الأصيل المتمثل بكلّ الإعلام الإسرائيلي، وعدا أن الممسوخ عن المسخ، قد لا تفوقه قباحة ولكن يتفانى في إظهارها كي يبدو مسخًا أكثر من المسخ.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024