معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مئتا يومٍ وزيادة.. ورقتا رفح والأسرى
30/04/2024

مئتا يومٍ وزيادة.. ورقتا رفح والأسرى

مئتا يومٍ وزيادة من كلّ شيء، وكلّ شيء هنا حرفيًا لا مجازًا، قتلٌ وتدمير، ترويعٌ وتجويع، نزوحٌ وتهجيرٌ وتيه، إصاباتٌ وإعاقات، فقرٌ وفقدٌ وثكل، انقطاع لكل سبل البقاء، من المياه والكهرباء، وانقطاع لكل أسباب الشفاء.. وبالرغم من كل ما سبق، هناك صمودٌ وإباء.

وأيّما خطر في بالك من مآسٍ وكوارث الحروب، فليست منافية لواقع غزّة، بل مطابقة تمامًا لواقعها مهما تطرّف خيالك وجمح، وقد تكون كلّ تلك التخيّلات، بكلّ سوادها وقتامتها، لا تعادل الواقع الحقيقي، فلا يمكنك تصوّر أهوال القيامة.

مئتا يومٍ وزيادة من كلّ شيء، الصبر الجلل والصمود، الجرح المكابر واليقين، الجباه الراعفة عزًا، والجباه المعفرة بتراب الشقاء وأنفة المنتصر، أطفالٌ تكبر قبل أن يرتدّ إليك طرفك، يتعلمون كيف يبغضون، وكيف تتحول غصّات القلب إلى رصاصٍ وقنابل.

مئتا يومٍ وزيادة من كلّ شيء، الموت يتجول في الشوارع والأزقة، يمتطي الطائرات تارةً والدبابات تارة، يمتطي الجوع تارةً والمرض تارةً والقهر تارة، فأصبح كائنًا أليفًا مألوفًا، مهما حاول أن يكون مخيفًا صار مضحكًا أكثر، وكلما حاول استعادة هيبته استحال سخرية أكثر، مع أنّه يحصد الأرواح كمنجلٍ بين سنبلات القمح، من دون مبالاةٍ أو تردّد.

مئتا يومٍ وزيادة من كلّ شيء، خياناتٌ وخذلان، تبلدٌ حسيّ وتكلس دماغي عند شعوب عربية ونُخب، كلما ازداد الكيان العدوّ إجرامًا ازدّادوا تضاؤلًا وتدجينًا، ومهما أمعن في إهانة كلّ ما يعتقدون بقداسته، أُرْكِسُوا في الجُبن والمهانة وانكسار العيون واصطكاك الركب، صكّ الأسنان وطأطأة الرقاب.

مئتا يومٍ وزيادة من كلّ شيء، فيها الملوك والرؤساء والأمراء والشيوخ العرب يزدادون تقزمًّا، يتطاولون على شعوبهم بالأيدي والهراوات والألسن والمناشير وقت الضرورة، ويتضاءلون أمام سبابة الخَرِف بايدن، ويعلن فيهم بلينكن أنّ سيدهم غاضب، وأنّ أداءهم في خنق وتجويع غزّة ومحاولات تركيعها لم يعجبه، وأنّ سلوكهم المنحط ليس كافيًا ليمنحهم شرف أن يكونوا أرذل أدواته وأشدهم سفالة.

بعد مئتيّ يومٍ وزيادة من ذروة القتل وذروة التهديد بارتكاب ذروة الجريمة واجتياح رفح، يعلن بلينكن من الرياض قطع الشوط الأكبر في منحدر التطبيع السعودي - الإسرائيلي، ولم يتبقّ سوى الارتطام بقعر الخيانة المطلق وعمق السفالة المحض، فيتمّ الإعلان عن تطبيع العلاقات والتصافح على مقربةٍ من جثة غزّة الغارقة في دمها.

بعد مئتيّ يومٍ وزيادة من كلّ شيء، لمّا يقتنع سفلة البيت الأبيض بعد أنّ غزّة لن تموت ولن تنكسر، وأنّ كلابهم السارحة والنابحة لن تجديهم نفعًا في قهر غزّة، ولمّا يقتنعوا بعد أن كلبهم الكبير الكيان المؤقت شاخ وهرم، ومهما درّبوه وسلّحوه وحاولوا حمايته، فلن يستطيعوا تجنيبه هزيمة منكرة وفاضحة أمام غزّة، ولن تستطيعوا تأمينه وحمايته، لأنّ إمبراطوريتهم بذاتها ليست بعيدة عن مهداف الحرب في غزّة، فكلما أصرّوا على استمرار العدوان اقتربوا من نار التوسع أكثر.

بعد مئتيّ يومٍ وزيادة من كلّ شيء، يقف العدوّ خاسرًا كلّ شيء إلّا أقوى أوراقه، وهي اجتياح رفح، في ما تقف المقاومة مع أقوى أوراقها؛ وهي أسرى العدو. يحاول العدوّ التلويح بأقوى أوراقه، لانتزاع أقوى أوراق المقاومة من دون قتال، والحقيقة أنّها أقوى الأوراق طالما ظلّت في إطار التلويح والتهديد، لكنّها بمجرد بدء الاجتياح، أي التفريط بها عن تخبطٍ أو غباء، ستتحول إلى ورقة ضعف، بينما ورقة قوة المقاومة وهي الأسرى، لن تتحول إلى ورقة ضعفٍ في حال اجتياح رفح، لأنّ الفشل في العثور عليهم سيكون اليقين بعد الاجتياح كما قبله.

إذ ستتحوّل رفح إلى أكبر فخٍ استراتيجي سيقع فيه العدو، ولن يكون لديه ما يلوِّح به في وجه المقاومة، ولن يكون لديه ما يحميه من كمائن المقاومة ونيرانها كأهدافٍ سهلة كلما مرّ الوقت.. هذا بعيدًا عن الواقع الإقليمي الذي سينشأ على إثر اجتياح رفح، والذي قد يصبح شرارة انفجارٍ عظيم، مهما تدنّت نسبة حدوثه، ولكن المعضلة أنّه لا خيار أمام سفلة البيت الأبيض إلا إعلان هزيمة الكيان بالرضوخ لشروط حماس والمقاومة، أو المغامرة باجتياح رفح، وحينها سيتغيّر كلّ شيء، ولن يكون ككل شيء عهدناه في المئتي يومٍ وزيادة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف