نقاط على الحروف
سمير جعجع وسامي الجميّل: عقدة الجنوب والشيعة
بين الباحث عن معركة وهمية يمارس فيها دور البطولة في التحريض والتفوّق في صناعة الفتنة والذهاب إلى فرض التقسيم كواقعٍ، وبين الغارق في الحنين إلى مشهد لبناني لا يشكّل فيه المكوّن الشيعي إلّا "العتّال" في المدينة والمزارع المحروم في القرى، يقف بطلا مسرحية الفتنة، التي رغم ثبوت فشلها وتكراره، على خشبة المشروع السياسي العقيم، ويحاولان من دون كلل ولا ملل أن يؤديا دوريهما على أتمّ وجه، والوجه الفتنويّ التقسيميّ وإن بدا تامًّا في لحظةٍ معتمة، قطرةٌ من الضوء تفضح كلّ نواقصه.
بين سمير جعجع الذي ما إن أنهى خيبته المتجدّدة في محاولته الأخيرة لإشعال فتنة أهلية، هُرع إلى ملف الانتخابات البلدية التي اقترب موعد استحقاقها ليطالب بإجرائها في الموعد، وبدون الجنوب، وبين سامي الجميّل الذي في لقاء تلفزيوني أغرق المشاهدين في نوستالجيا تتمنى عودة الشيعة إلى "النسيج اللبناني" والتي لا يمكن أن تتمّ وهم على هذه الحال "الغريبة على الهويّة والثقافة اللبنانية"، يُرسم "لبنان" كما يريده حزبا القوات والكتائب: بؤرة خالية من كلّ من يعادي "إسرائيل"، سواء عن طريق فصل الجنوب عن البلد وتجاهل العدوان الذي يتعرّض له وأهله، أو عن طريق مطالبة المكوّن الشيعي بالتخلّي عن إنجازاته وحقوقه وثقافته والذوبان في الهويّة التي يراها سامي مناسبة، وطبعًا تحت السقف الذي يضعه بنفسه.
وإن لم يقلها صراحة، وقد التقطها رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي وردّ عليها، يريد جعجع، وغيره، أن يُستثنى الجنوب من دورة الانتخابات البلدية، تحت عنوان أنّ تعذّر إجرائها في الجنوب بسبب الحرب لا يعني أن ننتظر! وما لم يقله قبل ردّ الرئيس برّي، صرّح به مناصروه على منصات التواصل في إطار الردّ على الردّ: الجنوب منفصل أصلًا، وفيه "سلاح غير شرعي" - سلاح المقاومة - وبالتالي هو لا يشكّل جزءًا من الدولة اللبنانية، وأكثر من ذلك، ذهب البعض إلى اعتباره مقاطعة إيرانية! أما بيان القوات الذي صدر لتبرير رفض جعجع تأجيل الانتخابات البلدية كي لا يُستثنى الجنوب، فجاء بكلّ ما في دونية المتغطرس من دهشة وإعجاب بكلّ ما يقوم به سيّده: "إن "إسرائيل" وفي عزّ الحرب المستمرة حتّى اليوم، أجرت انتخاباتها البلدية في 27 شباط المنصرم، واستثنت المناطق الواقعة على الحدود مع لبنان ومع غزّة، هذا هو منطق الدول وليس التعطيل المتواصل والشامل".
وبمعزل عن موضوع الانتخابات البلدية، لم يترك جعجع فرصة إلّا وتحدّث فيها بمفردات مختلفة بما يشي باعتباره الجنوب وأهله قسمًا لا يحمل "الهوية الثقافية اللبنانية"، ليبدو وكأنّه مانح الهويّات ومقرّر مصيرها تبعًا لمعاييره التي تتماهى بلا خجل مع تلك التي نسمعها عادة من الإعلام العبري. يريد ببساطة جنوبًا يُحسن مجاورة "إسرائيل"، خاليًا من أي سلاح يهدّدها، مأهولًا فقط بمن يتبجحون باستعدادهم لخوض تجربة "جيش لحد آخر"، ويُغرّب أهل أرضه بحجّة رسوبهم في الامتحان الذي يضعه بنفسه لمن يستحقون الهوية اللبنانية.
قبل أشهر قليلة، شرحت مي شدياق بشفافية شديدة كيف ينظر القواتيون وبديهيًا الكتائبيون إلى الجنوب والشيعة، لتمنّن أهل جبل عامل بقبولها، بما تمثّل، أن يكونوا جزءًا من دولة لبنان: يد عاملة وقطاع زراعي! وأن التغيير الذي أحدثوه في انتقالهم من فئة محرومة مستضعفة إلى فئة قويّة وازنة لا تنتظر فضلات المناصب والوظائف التي توزّع على أسماء محدّدة منها وبشرط خضوعها للقواعد التي يخطّها حزب الكتائب، وبيئة تقارع الرأس الأميركي وذيله الصهيوني، ومن معهما، يشكّل إخلالًا بالعقد الاجتماعي الضمنيّ. وهي كانت تقول حرفيًّا ما يحاول سامي توريته بجمل إنشائية خالية من المعنى والجرأة على حدّ سواء، في إطار تعبيره عن سخطه على حزب الله، وفي سياق المحاولات المتكرّرة لتغريب الحزب وأهله وتصويرهم وكأنّهم حاملو ثقافة وهويّة غريبة عن الأرض. لم يمتلك سامي جرأة مي في التوصيف، إذ أراد القول إنّ ثقافة وهويّة الشيعة اليوم هي إيرانية وليست لبنانية. وهو في ذلك إمّا يدّعي جهلًا بتاريخ الأرض وجبل عامل والشيعة، وإمّا يمارس التضليل بناء على قاعدة وضعها وزير الدعاية النازيّ جوزيف جوبلز "اكذب اكذب حتّى يصدقك الآخرون، ثمّ اكذب أكثر حتّى تصدق نفسك".
لا فرق، ولا طائل من تعليم سامي الجميّل وتثقيفه، فمبتغاه واضحٌ وإن ليس صريحًا: على الشيعة أن يعودوا كما كانوا كي نتقبّل وجودهم كجزء من النسيج اللبناني.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024