معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"طوفان الأقصى".. ليس أدنى من فلسطين كلها
02/04/2024

"طوفان الأقصى".. ليس أدنى من فلسطين كلها

‏كيف ننظر في عيون أطفالنا حين نحدثهم عن البطولات ولا زال الكيان يتنفس؟ إنّ بقاء الكيان كان ولا يزال هو العار، العار الذي لطخ وجه البشرية بالوحل.. العار الذي تمرغت به أمة زهدت في خير أمة.

‏كيف ينظر عربيّ في عيون أطفال فلسطين، وليس على يديه آثار اقتلاع شجرة الصهيونية من جذورها وإحراقها؟ كيف ينظر في عيونهم ولا يزال على لسانه بقايا حقبة القبول بالقرارات الدولية، من التقسيم إلى الإنسحابات إلى اتفافيات السلام وصولاً لحل الدولتين، كيف سيحدثهم دون أن يكون نخاع الصهيونية يقطر من بين أصابعه؟

سينظر السنوار يوم النصر في عيون أطفال غزة، وعلى لسانه فلسطين من البحر إلى النهر، وسيحدثهم الضيف عن "طوفان الأقصى"، مقتلة "إسرائيل" الكبرى. وستخاطب حماس شعبها، من باحات الأقصى.

‏لا يمكن التعايش مع هذا الكم من الجرائم التي يرتكبها أرذل الخلق قاطبةً، ومهما توغلت في تاريخ الحروب لن تجد مجرمين مثل شراذم الأمم في فلسطين المحتلة. وليس السؤال ما الجرائم التي ارتكبوها في غزة، بل ما هي الجرائم التي لم يرتكبوها؟ والإجابة لا شيء. لا يوجد جريمة عرفتها البشرية في صراعاتها أو لم تعرفها، إلّا وارتكبها جيش الجبناء، أجبن الجيوش وأقذرها على الإطلاق.

‏الناس في مجمع الشفاء الطبي يبحثون عن بقايا أجساد أبنائهم، بعد أن داستها الدبابات، وكلهم آمال أن يجدوا بعض العظام لم يصلها السحق، ويبحثون في الجثث المتحللة عن ملامحٍ يعرفونها، يبحثون عن بقية قميص أو آثار ساعةٍ أو شذرات خاتم لتدلهم، عن أحباءٍ كانوا هنا قبل قليل، يبحثون عن شربة ماء أو عن ساترٍ من وجوه القتلة، وعن ضمادة جرح أو لقمةٍ تسدّ الرمق. كانوا هنا يتنفسون ويتمسكون بشرفهم، ويلتقطون كل خيطٍ يؤدي بهم للنجاة والحياة، لكن القتلة قرروا ألّا تطلع شمسهم غدًا.

‏قد يصبح الكلام المنمق والرصين في حضرة جرائم الصهاينة ضربًا من الخيانة، هؤلاء القتلة السفلة لم يُخلَقوا ليتم تداول سيرتهم عبر اللغات والكلمات، فهم أحطّ من تناولهم بلا تقريع. ‏لماذا نحرص على خطابٍ يتماشى مع شرعة دولية وحقوق إنسان، فيما يقتلنا الصهاينة مرأى من كل الأمم وكل شرائعها؟ لماذا نخشى أن نضع إصبعًا لشهيدٍ في عين العالم، ونقول أنّ فلسطين من البحر إلى النهر، فلسطين حرمٌ حرام على كل بني صهيون، ولا خيار أمامهم إلا القتل، وألّا نخشى أو نخجل من القول بأنّه قبل طوفان الأقصى كان لديهم خيار الرحيل، أمّا بعده فلا خيارات متاحة سوى القتل؟ منذ بدأنا الخجل من خطاب "هنيئاً لك يا سمك"، بدأنا بالتنازل عن أرضنا وبلادنا، ثم بالتنازل عن دمنا وعرضنا، ورغم ذلك لم يتنازل القتلة عن قتلنا وجرفنا ودفننا أحياء، ويريدون منّا أن نكون مهذبين في حضرة الأمم وحضرة قوانينها.

‏سحقًا لكل القوانين التي لم تنقذ طفلًا من جنازير الدبابات الصهيونية، وسحقًا لكل الدول التي عجزت عن حماية مشفى، وسحقًا لكل مادةٍ قانونية سخَّرت حروفها لحماية القتلة وضمنت إفلاتهم من العقاب، ومرحى للرصاص الذي لا يجامل ولا يعرف كيف يجامل، ومرحى للنار التي تعرف كيف تنزع الشوى دون التفاتٍ لـ"فيتو" أعمى أخرق، ومرحى للصواريخ التي تدك معاقل القردة دون المرور بأروقة الأمم المتحدة.

‏منذ بداية طوفان الأقصى لا يوجد مستوطنٌ واحد قال "لا تقتلوا"، بل أجمعوا جميعهم على قتلنا، وتسابقوا فيمن يدعو للقتل أكثر، وتفننوا في ابتكار أبشع القتل، واختلفوا فقط على الأولويات، هل يبيدونا أولاً أم يأخذوا أسراهم أولاً؟ هل يهجّرونا قبل قتلنا أم يقتلونا ثم يهجّرون من تبقى؟ هل يبيدونا جوًا أم برًا؟ وأي الخيارات أجدى وأسرع وأوفر؟ هل يقتلنا نتنياهو أم يقتلنا غانتس وإيزينكوت؟ وبعضهم قال أفضل طريقة لقتلهم وتهجيريهم هي بيد لابيد والمعارضة بعد انتخاباتٍ مبكرة.. ونحن لا زال في أفواهنا بقايا من حروف السلام وألفاظ القانون الدولي، وقد قال قديمًا مظفر النواب "مسدسك القانون الدولي".

‏إنّ اليقين في غزة هو خزي العدو وفشله في تحقيق أهدافه وانهزامه، وإن كان هذا هو النصر، لكنه ليس النصر الذي يلبس تاج التحرير، لذا سيظل نصرًا غير مكتملٍ طالما بقى صهيوني واحد يتنفس من هواء فلسطين.. فلسطين كلها من بحرها إلى نهرها هي هدف طوفان الأقصى، حتى وإن توقف القتل برهة أو هدنة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف