نقاط على الحروف
تشريع حشيشة الكيف في لبنان بين الواقع والوهم
د. علي حكمت شعيب(*)
أعلمتنا أخبار الصحف في الأيام الماضية عن تقديم تكتل نيابي في لبنان مشروع قرار من أجل تشريع زراعة القنب الهندي أو ما يسمى عندنا في لبنان حشيشة الكيف أو الحشيشة.
ولو تفحصنا فذلكة هذا المشروع المقدّم، لوجدنا أن الدافع إليه هو الرغبة في النهوض بالواقع الاقتصادي السيئ والسريع الانحدار الذي يعاني منه لبنان جراء تفاقم أزمة المديونية وعجز ميزان المدفوعات لديه التي كان سببها الرئيس انتشار الفساد السياسي والإداري فيه الذي صاحبه منذ نشأته.
ومن الواضح أن السرعة في تقديم مشاريع كهذه غير ناضجة، لناحية الدراسة والقراءة المتأنية للعواقب، ناشئة من الضغط والشدة أو التوتر الذي تعاني منه الطبقة السياسية من أجل الإسراع في وضع الحلول للواقع الاقتصادي المتدهور استجلاباً لمنح وقروض يعد بها مؤتمر سيدر مشروطة بسياسات اقتصادية إصلاحية وموازنة تقشفية.
وإذا ما أردنا أن نحلل الإيجابيات والسلبيات أو الحسنات والسيئات لهذا المشروع الاقتصادي المطروح لكي نسترشد بها في عملية تكوين الرأي الداعم أو الرافض لا بد لنا من استعراض الأمور التالية:
أولاً: في الإيجابيات
يؤكد مؤيدو المشروع أنه:
1 ـ يحقق وفراً مالياً لخزينة الدولة، لذلك هو مجدٍ اقتصادياً ومساهم بالتالي في خفض العجز في ميزان المدفوعات دون إظهار أو الاستناد إلى نتائج دراسات علمية تؤكد ذلك.
2 ـ يخلق فرص عمل ويساهم بالتالي في معالجة مشكلة البطالة التي تعاني منها شريحة كبيرة من اللبنانيين لا سيما القاطنين في منطقة البقاع، حيث تزدهر هذه الزراعة غير المشروعة حتى تاريخه.
3-لا يتعارض مع القيم إذ إنه يستخدم لأغراض طبية وأخرى نافعة.
ثانياً: في السلبيات
يؤكد رافضو المشروع على:
1 ـ أنه لا جدوى اقتصادية تُذكر منه، مستندين إلى دراسات علمية قد أجروها في هذا الصدد
ومن يستفيد منه في حال إقراره هو قلة من الناس مزارعين ورجال أعمال وسياسيين ووجهاء اجتماعيين اعتادوا على هذه الزراعة المحرّمة، وسوف يوفر لهم التشريع فرصة جيدة لزيادة مكاسبهم.
2ـ أن تشريع هذه الزراعة يحتاج إلى هيكل تنظيمي لدولة تمارس فيها الأجهزة الرقابية دورها بكل حرية، مستظلة بسلطة قضائية مستقلة، مطلقة اليد حرة غير فاسدة أو أسيرة للسلطة التنفيذية في تعييناتها وتشكيلاتها، أو مرتهنة للخارج الممثل بالقناصل والسفراء الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة لا سيما في تفاصيل القضايا السياسية والأمنية والمالية والشؤون القضائية.
ويستلزم أن تكون السلطة السياسية محصنة من الفساد ومن التبعية للخارج من المفسدين الاقتصاديين الدوليين، الذين طالما أملوا عليها سياسات فاشلة أدت إلى حرمان البلد من تفعيل قطاعاته المنتجة وفق رؤية اقتصادية واضحة لم تبصر النور منذ بداية تشكيل الدولة اللبنانية.
ومن المتوقع في ظل هذه البيئة أن يصبح لبنان منصة لزراعة وترويج وتجارة المخدرات ينشر سموم هذه الآفة الى محيطه الإقليمي لا بل المحيط الدولي مما يسيء الى سمعته ورسالته ودوره ويعرّض مواطنيه للإتهام والملاحقة القانونية ويشوّه صورة مقاومته وأحزابه وطوائفه وسائر مكوناته ويساهم في تهشيم وتدمير قوته الناعمة.
3ـ أن التداعيات السيئة الكبرى ستكون في المجال الاجتماعي حيث سيؤدي هذا التشريع إلى انتشار تعاطي حشيشة الكيف بين فئة الشباب المحبط جراء ضبابية المستقبل وانسداد أفق العمل والعيش الكريم أمامه في بلد عصفت فيه رياح الفساد السياسي التي تغذت على الطائفية السياسية وكادت أن تورده نادي الدولة المفلسة.
مما يحرم البلد من طاقاته الشابة وينشر بين أجياله الصاعدة آفة تعاطي المخدرات بكافة أنواعها ويشجعها على الإدمان ويخرجها من دائرة الفاعلية والتأثير في القرار السياسي ويغيبها عن ساحة الإنتاج.
وقد تكون تلك السلبيات قد خططت لها أياد خفية من الخارج والداخل التابع لتأديب بلد أبدع وأحسن في ساحة المقاومة للعدو الصهيوني وللعدو التكفيري وشكل عقبة كبرى أمام أي صفقة تحضر لإنهاء القضية الفلسطينية كصفقة القرن مؤخراً، وحلقة وصل مفصلية في محور المقاومة الذي تصدى ببسالة للمحور الأمريكي والصهيوني – السعودي الذي يهدف إلى استمرارية بقاء هيمنته على منطقة غرب آسيا.
وبنظرة تقويمية موضوعية ومنطقية، يستنتج المراقب أن السلبيات ومخاطرها تفوق بأضعاف مضاعفة الإيجابيات المشكوك بصدقيتها العلمية في بلد تنتشر فيه الفوضى السياسية التي يسندها بعض القوانين بطريقة غير مباشرة وتغيب عنه الرقابة والعدالة في إمضاء الثواب والعقاب في ظل مناخ إداري تنظيمي قد تلاشى فيه تأثير القيم الناظمة وتعطلت آليات الرقابة وأجهزتها، وموظفين حكوميين من حاجب الى وزير اعتاد واعتاش أغلبهم على الارتزاق من الرشوة والاستزلام لأمراء الطوائف والفاسدين من السياسيين، وضعفت معه ثقة المواطن بالدولة، حيث المؤتمن هو الخائن فيها في الكثير من المواقف.
لا مجال إذاً للمقارنة بين لبنان وغيره من الدول التي شرعت تلك الزراعة لقدرتها على ضبطها تحت سيادة مظلة القانون.
ولكي نستطيع أن نفتح النقاش حول هذا التشريع، ونبتعد عن الوهم والإرتجال والعشوائية في حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الملحة يجب أن نبني أولاً الدولة القادرة العادلة السيدة المستقلة الخالية من الفساد والسائرة تحت راية الدستور والقانون.
ساعتئذ يمكن المقارنة والاستضاءة بالتجارب الناجحة في الدول الأخرى في الميدان الاقتصادي والاجتماعي لتكون قراراتنا واقعية مجدية ورشيدة.
وإلا نكون نسبح في بحر من الخيال والوهم حيث لا دفع لسوء ولا استجلاب لمنفعة.
فالحكمة تقول:
"من الخُرْق المعاجلة قبل الإمكان والأناة بعد إصابة الفرصة".
(*) أستاذ جامعي
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024