نقاط على الحروف
هل تذكرون اتفاق 17 أيار 1983؟!
عبير بسام
ابتدأت الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة دحضاً لإعلان ترامب القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وابتدأت مسيرات العودة والإحتجاجات والمظاهرات. وعند كل إعلان تبدأ الإحتجاجات ويسقط الشباب العربي ويسفك الدم الذكي بادئ عن ذي بدء، وتقوم الدنيا ولا تقعد. ومن ثم يصيب الشباب التعب والإحباط فيسكن لفترة من الوقت ثم يعود ليبدأ من جديد. ولكن من قال: أن العربي قد نسي قضيته "فلسطين" وأن السوري قد نسي الجولان ولواء اسكندرون، وأنهم جميعاً قد نسوا أهمية تحرير الإنسان فهو مخطئ. ولكن ما ينساه العربي وللأسف هو العودة لقراءة التاريخ من أجل حماية مستقبله. إذ لم تكن قراءة التاريخ في يوم من الأيام إعلان ترف، وليس فقط لإعلان الفخار بما أنجزته هذه الأرض التي نعيش عليها، ولكن هو من أجل التعلم من دروسه. ومن باب العلم فإن التاريخ هو المنهاج الدراسي الوحيد الذي يدأب الغرب وعلى رأسهم الأميركيون على محاولة تدوينه بحسب مفاهيمهم وعلى طريقتهم في المدارس العربية. ولذا فمن المطلوب في بعض المنهاج إسقاط الحقوق المشروعة لأهل فلسطين وأهل سوريا الكبرى بشكل عام من أجل نسيان حقهم في إستعادة أراضيهم المسلوبة، وبالتالي كي ينسى العرب الإنجازات التي قام بها إخوانهم خلال طريق الصراع المرير وإظهارهم بمظهر العاجز عبر التاريخ القديم والحديث وهذا الكلام غير صحيح، فأهل هذه الأرض لم يكونوا يوماً عُجزاً!
ولكن لنستعرض ماذا يمكن أن يحدث لو أننا بنينا مستقبلنا من أجل استعادة الأراضي المسلوبة معتمدين على قراءة تاريخنا منذ لحظة إسقاط إتفاق السابع عشر من أيار.
المحاولات الإسرائيلية من أجل دفع لبنان والعرب من اجل توقيع إتفاق سلام وتطبيع مع "اسرائيل" ابتدأ منذ اللحظة التي احتلت بها إسرائيل في العام 1967 الضفة الغربية وغزة والجولان ومزارع شبعا وكفر شوبا، وجبل الشيخ، ولكن هذا تمت استعادة الأخير خلال حرب تشرين التحريرية في رمضان العام 1973. ويتضح من المشهد أن هذا الكيان الغريب حاول إحاطة نفسه وحمايتها من ضربات المقاومة باحتلاله الجبال والتلال المحيطة بفلسطين، ولكن هذا لم يتسن له. اذ استمرت ضربات المقاومة الفدائية، والتي الحقت بالعدو الإسرائيلي ضربات موجعة. وهذا لا يعني أنه لم تكن هناك أخطاء قد ارتكبت من قبل القيادات خلال مراحل محددة من الزمن ولكن لو لم تكن تلك الضربات موجعة وفاعلة لما قرر الكيان العبري اجتياح لبنان واحتلال جنوبه في العام 1978 ومن ثم في العام 1982. وبالتالي فإن اجتياح العام 1982، لم يكن إلا نتيجة قوة الضربات الفدائية المقاومة، التي ضمت عناصر مقاتلة من جميع أنحاء الوطن العربي من المغرب حتى سوريا ولبنان.
تعرض لبنان هذا البلد الصغير بحجمه والعظيم بتأثيره على استقرار الكيان لواحد من أبشع الإحتلالات التي عرفها التاريخ في العام 1982. اذ ترافق مع مجازر كبرى وقصف للمدنيين، وبحسب اليونسيف فقد قتل وأصيب في اجتياح مدينة بيروت وحدها 26503 بين قتيل وجريح من المدنيين. فهل يمكننا ان نتخيل حجم الخسائر البشرية على طول خط الإجتياح من الجنوب وصولاً إلى معركة السلطان يعقوب، ومع ذلك وقفت المقاومات الوطنية التي تشكلت من مجموعات وأحزاب ذات عقائد مختلفة من اجل الدفاع عن بيروت. وبالرغم من الضغط النفسي الهائل التي تعرضت له بيروت بسبب قطع الماء والكهرباء والدواء والغذاء وهبوط سعر الليرة اللبنانية، إلا أن المقاومة رفضت الخضوع للإملاءات الإسرائيلية واستمرت العمليات من أجل دحر "اسرائيل" عن بيروت ولبنان، ومن ثم دحر اتفاق السابع عشر من أيار. وليكن معلوماً، أن دحر اتفاق 17 أيار لم يكن حالة آنية بل هو مسيرة مستمرة من المقاومة ضد الإحتلال الصهيوني.
لم تتوقف المقاومة بعد إسقاط الإتفاق، ولم تتوقف عندما خرج الإسرائيلي من بيروت وصولاً إلى ما سمي بالشريط الحدودي في العام 1985، وحتى تم التحرير في العام 2000. ومنذ ذلك الوقت ما تحاول "اسرائيل" تحقيقه هو دفع كل من لبنان وسوريا من أجل توقيع اتفاق يشبه إتفاق أيار، السلام من اجل السلام دون إستعادة الأراضي العربية المحتلة، والتنسيق مع الجيوش العربية المحيطة بفلسطين من أجل ضمان أمن الكيان العبري، وإقامة العلاقات الدبلوماسية وبدء التطبيع. ولم تستطع "إسرائيل" تحقيق أهدافها في لبنان بسبب صمود المقاومين والوطنيين فيها، فالتفت لتفرضه في اتفاقات أوسلو ووادي عربة وغيرها محاولة من خلالها بعثرت الجهود التي قامت عليها الإنتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987 والتي هدأت في العام 1991 مع بداية محادثات اوسلو وتوقفت وللأسف في العام 1993 بعد توقيع الاتفاق.
صحيح أن ظروف الإتفاقان كانتا مختلفتان تمام الإختلاف: فإلغاء اتفاق 17 أيار هو تاريخ مشرف للمقاومة في لبنان على الصعيد الشعبي وعلى صعيد القيادة، وما جلبه اتفاق أوسلو على فلسطين هو بداية الهلاك من تقسيم وشرذمة للأراضي الفلسطينية والشعب العربي في فلسطين. لقد كان إلغاء إتفاق أيار درساً هاماً في تاريخ النضال العربي ضد "اسرائيل" ودرساً هاماً في أهمية التلاحم ما بين القيادات العربية وما يمكن أن تحققه من نتائج مشرفة كما التلاحم ما بين سوريا ولبنان. ولو استطاع الفلسطيني التعلم من درس أيار الذي لقنته كل من لبنان وسوريا للإسرائيلي لكان من الممكن أن يثمر التعاون والتعاضد ما بين لبنان وسوريا وفلسطين دروساً أهم عبر التاريخ في رفض الإتفاقيات المشبوهة والتي تقوم على استغلال الشعوب وأراضيها.
ومن خلال استعراض الإتفاقيات العربية من كامب ديفيد إلى "وادي عربة" إلى "أوسلو" فلا يمكننا إلا أن نلمس حجم الخسائر التي مني بها العرب في كل من مصر والأردن على المستوى الإقتصادي والوطني منذ توقيعها وحتى اليوم. واستعراض حجم هذه الخسائر يحتاج إلى مقال بحد ذاته. ولكن هذه الإتفاقيات لم تستطع فرض التطبيع ما بين الأردنيين أو المصريين من جهة وبين الإسرائيليين من جهة أخرى، بل استغل جيش البلدين من أجل حماية أمن اسرائيل. وفشل التطبيع حتى المستوى العقائدي لأفراد الجيوش العربية ويظهر ذلك من خلال المحاولات الفردية لبعض العناصر فيه والتي أطلقت النيران على الإسرائيليين في 31/ 10/ 2010. صحيح أن المحاولة لم تتكرر ولكنها تثبت أن الجندي الأردني ولو على أقل المستويات يرفض هذا الإتفاق الذي لم يات بأي إنجازات تذكر للأردن، بل الأسوء من ذلك، أنه كرس احتلال غور الأردن، المنطقة الزراعية الخصبة، من قبل الإسرائيلي ولم ينل الأردن منها سوى إعادة استيراد منتوجاته الزراعية من الكيان العبري.
والأمر نفسه ينطبق على مصر، التي تستورد غازها المسروق من "إسرائيل"، ضمن مسرحية تصدير الغاز عبرها. وما تثتبته الأحداث التي ترافقت مع فورات الربيع العربي، أن محاولة الإنقلاب في مصر لم تكن من أجل الديمقراطية والحرية، بل سببها رفض حسني مبارك القبول بوجود وثائق سرية، التي ادعت الـ "BBC" الحيازة عليها في 2017، والتي تتحدث عن صفقة مصرية في العام 1983 من أجل توطين الفلسطينيين في سيناء. لكن مبارك ردّ نافياً توافقه ولو بأي شكل من الأشكال مع هكذا مخطط، وقال أن الموضوع فتح معه في العام 2010 من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلا أنه كان قد رفض التفريط بأي جزء من الأراضي المصرية وقال بان حدود مصر قد رسمت إبان الإنتداب البريطاني في العام 1903. ورفض حتى الإستماع لهذا الطلب. ويبدو أن صفقة القرن كان يخطط لها منذ اجتماع الرئيس المصري برئيسة الوزاء البريطانية مارغريت تاتشر والرئيس الأميركي دونالد ريغان في العام 1983 ولكن ما عطلها هو رفض مصر التخلي عن سيناء، فهل يتخلى عنها اليوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وهل يقرأ المصريون التاريخ ويقدرون أهميته في قراءة الأحداث. يبدو أنه منذ نشوء الدولة العبرية، كان يرى القائمون عليها أن الحل للقضية الفلسطينية هو في البحث عن موطن جديد للفلسطينيين قبل البدء بإجلاءهم عن أرضها. فهل تعطل مصر صفقة القرن بدءاً من أراضيها؟
هذا التاريخ المذل للإتفاقيات العربية مع "اسرائيل"، إن كان يدل على شيء فهو يدل على أن الإتفاق الجيد مع "اسرائيل" هو الإتفاق الملغى؛ وأن الطريق الوحيد لإسترداد الأرض والحقوق الشرعية لأصحابها هو المقاومة.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
25/11/2024
بيانات "الإعلام الحربي": العزّة الموثّقة!
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024