معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

رهانات اليوم التالي لغزّة والمقامرة التي تقود لاشتعال المنطقة
24/02/2024

رهانات اليوم التالي لغزّة والمقامرة التي تقود لاشتعال المنطقة

إيهاب شوقي

تبدو من ثنايا التصريحات السياسية لبعض المسؤولين العرب، أن هناك قراءة خاطئة تبلورت لدى دولهم بأن المقاومة ومحورها في أزمة وأن اليوم التالي لما بعد الحرب سيكفل للمحور الصهيوني وأتباعه في المنطقة آفاقًا لتعديل وضعيتّهم وكسب النقاط على حساب المقاومة. وهي قراءة خاطئة لا بد من تعديلها بشكل فوري لأن الخطوات المترتبة عليها قد تبكر بانزلاقات كبيرة وتقضي على أي فرص لتلافي الصدام الشامل.

وهذه التصريحات التي تتحدث عن سيناريوهات لغزّة فيها قوات دولية أو ائتلاف سياسي حاكم تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية بشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر عبر تولي دول عربية للسيطرة والاشراف، لا تعدو كونها رهانات خاطئة بنيت على افتراضات أن المقاومة ضعفت في غزّة وتتلاشى تدريجيًّا، وأن المحور المقاوم الذي يقوم بإسناد غزّة ومقاومتها لن يفعل أكثر مما يفعل حاليًّا وأنه سيشاهد غزّة تتساقط ومقاومتها تصفّى وقد أبرأ ذمته فقط وأنه لا يستطيع فعل شيء أكثر مما يفعل وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان!

وقبل أن نوضح بعض الأمور لأصحاب هذه الرهانات، ينبغي رصد ظاهرة خطيرة فضحت نوايا هذه الرهانات، وهي إعادة تلميع الحركات التكفيرية وأنصار ما يسمّى "الثورة السورية" من اصحاب العلَم ذي النجمات الثلاث، وتغطية مظاهراتهم المزعومة لتأييد غزّة باعتبارهم اصحاب قضية تناصر التحرير وتعادي الصهيونية، رغم علاقاتهم المكشوفة عمليًّا بالكيان الصهيوني وعلاجهم في مستشفياته أثناء قتالهم مع المقاومة وسعيهم لإسقاط النظام السوري المقاوم.

لا شك أن إعادة تلميعهم ينطلق من افتراض خاطئ بأن العدوّ سينتصر وأن هناك مرحلة لاحقة سيضعف فيها محور المقاومة وأنها فرصتهم للانقضاض على سورية ولبنان، وهو استمرار لمسلسل الاخطاء التاريخية الناجمة عن سوء التقدير والقراءات الفاشلة التي لا تعلم شيئًا عن المحور وفلسفته وصموده ولا تستطيع تقدير حجم قوته الحقيقية النابعة أولًا من الإرادة قبل أن تكون من المستويات التسليحية وما تخفيه من مفاجآت.

وهنا ما يهمنا أيضًا هو بيئة المقاومة وهي البيئة التي تثق ثقة كاملة بالمقاومة وقدراتها وإرادتها وإيمانها وتثق بحتمية النصر، وبالتالي هي مستهدفة بالتشويش والبلبلة وزراعة اليأس، وهذه البيئة هي من تتولى بنفسها الرد على اصحاب الدعايات الانهزامية والمرجفين.

ولكن لأن هناك قطاعات قد تناصر المقاومة وقد تصنّف في قائمة اصدقاء المقاومة ولديها قراءة يائسة من النصر، فقد وجدنا أن هناك بعض الأمور بحاجة للتوضيح لتصحيح هذه الصورة حتّى لا يقع أحد تحت سطوة الدعايات، وهو ما يتطلب توضيح بعض النقاط كما يلي:

1 - الاعتماد على عدم انطلاق الصواريخ من غزّة في استنتاج تلاشي قدرات المقاومة هو استنتاج مضلل لأصحابه لأن المراحل القتالية تفرز السلاح المناسب للمقاومة، ووضع الجبهة وتموضع المقاتلين هو الذي يحدد السلاح الأنسب، فغاية المقاومين هي الالتحام مع العدوّ وجهًا لوجه، وفي المعركة البرية قد جاء العدوّ بنفسه للمقاومين بجنوده وآلياته وهو ما نشهد معه يوميًّا بطولات تؤكد جهوزية واستعدادات لهذه المعارك.
كما أن استخدام الخيارات ومنها الخيار الصاروخي يعتمد على تقدير غرف عمليات المقاومة وقراءتها للمرحلة ووضع الجبهة من حيث الانكشاف وتموضع العدوّ والسلاح المناسب لها وبالتالي لا يعد مؤشرًا على قوة المقاومة أو ضعفها.
كما أن هناك سؤالًا لا بد من أن يوجه للعدو ومعسكره ولكل من يفترض انهيار المقاومة، وهو السؤال الخاص بالأسرى ولماذا لم يحررهم العدوّ وأين هم قيادات المقاومة التي يستهدفها، ولماذا تتمسك المقاومة بشروطها ولا تتنازل عنها؟

2 - ما يخص محور المقاومة وإسناده لغزّة، فعلى الجميع ملاحظة التصعيد المرتبط بالتصعيد في غزّة.
سواء في اليمن والتي أدهشت العالم بأسلحتها واستهدافها المباشر لأميركا وبريطانيا، أو في لبنان والجبهة المظلومة إعلاميًّا في لبنان والتي أخلت مستوطنات شمال فلسطين المحتلة وتوقع الخسائر يوميًّا بالعدو وتثبت معادلات الجبهة وترفض جميع التهديدات وكذلك الاغراءات التي تفترض أن المقاومة مأزومة وتريد مخرجًا مشرفًا وتحاول التفاوض والمساومة حتّى تتخلى عن غزّة، وهو ما يرفضه حزب الله ويصر على ربط حربه بالوضع في غزّة وحتمية خروجها منتصرة عبر الاحتفاظ بخيار المقاومة ووقف العدوان.

3 - القراءة التي تفترض أن تدمير غزّة وقتل عشرات الآلاف من أهلها هو تصفية للقضية هي قراءة خاطئة لأن التصفية الحقيقية هي التسوية المذلة والاستسلام وانتهاء خيار المقاومة، بينما بقاء خيار المقاومة هو الكفيل بإعادة إعمار غزّة واستعادة عنفوان المقاومة والبدء في كرّات جديدة على العدوّ على مسار التحرير.

لا شك أن المحور كله في حالة استنفار ولن يسمح بالهزيمة مهما كان حجم الاستهداف وجبروته ومهما كان التواطؤ الدولي والعربي ومهما كانت قراءتهم وتصريحاتهم التي تشي بأن المحور سيتعامل مع امر واقع جديد في فلسطين مفاده تصفية المقلومة، ولا بد أن يعرف هؤلاء أنه أمر من قبيل الاوهام وأن قراءة المحور واقعية تفترض أن لدى هؤلاء عقلًا يستطيع تقدير توازن القوى وتقدير الانزلاقات وأن العدوان سيتوقف حتّى لا يقع المحظور، وأنه لا يبالي بهذا المحظور إذا اصر العدوّ ورعاته وأذنابه على المضي قدمًا إلى المواجهات الكبرى.
قد يفكرون باليوم التالي لغزّة، بينما يفكر المحور باليوم التالي للمواجهات الكبرى واليوم التالي لـ"إسرائيل".

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل