نقاط على الحروف
التهويل.. صنعة الرماديين في الحرب
ليلى عماشا
على الشاشات يوميًّا وعلى منصات التواصل على مدار الساعة، تُسمع وتُقرأ عبارات التهويل والتحليلات التي تهدف إلى بثّ روح الهزيمة في صفوف الناس، مع أنّها المعركة الأولى التي نختبر فيها رؤية المستوطنين الصهاينة وهم في حال نزوح وهروب ورعب ورفض تام للعودة إلى وحداتهم السكنية على امتداد أرض شمال فلسطين المحتلة، فضلًا عن الخسائر في صفوف جيش العدوّ التي كلّما حاول اخفائها فُضحت ودوّت أكثر. لماذا إذًا يصرّ بعضهم على التهويل وعلى رسم السيناريوهات الأكثر تخويفًا وترهيبًا للناس: تارّة يسوّقون حرفيًّا لما يريده "الإسرائيلي" من تهديدات واستعراضات، وطورًا يذهبون بالتباكي وإظهار الرّعب بدعوات إلى التحضّر للأسوأ عبر تلميحات تشعر فيها أن مطلقها يعلم بالغيب، أو على الأقل يعلم ما لا تعلمه المقاومة ولا حتّى العدو.
بالدرجة الأولى، يبدو أن البعض لمّا يتحرّر بعد من شعوره بتفوّق "إسرائيل" ولم يتقبّل عقله حتّى الآن أنّ هزيمتها ممكنة، مع أن ما شهده الكيان من هزائم معترف بها في ٢٠٠٠ و٢٠٠٦، عدا تلك التي شُهدت ولم يقرّ بها العدو. فتراه – ذلك البعض- يعبّر عن مشاعره الحقيقية بمعنى أدقّ، عن انهزاميّته، ويتوخّى من ذلك تحويلها إلى حالٍ عامّة كي لا يبقى وحيدًا في عجزه ونقصه. مثل هذا، حتّى وإن كان في ساعات "صفا" محبًّا للمقاومة، إلّا أنّه يبقى أسير عقدة الهزيمة ولا يستطيع مهما فعل الانتساب إلى معسكر قتال العدوّ إعلاميًا، ويفضّل البقاء داخل منطقتي التذبذب والرمادية. من جهة أخرى، ثمّة آخر يعرف تمامًا أنّ المعركة ذاهبة نحو هزيمة الإسرائيلي، ولا إمكانَ لالغاء هذا الاحتمال أو استبعاده سوى بسلخ الناس عن خيار المقاومة. هؤلاء، بعضهم مأجور ومرتزق، وبعضهم الآخر حاقد يتلوّى داخل أوهامه؛ والمشترك بينهما ليس إلّا الخوف من المجاهرة بالانتساب إلى المعسكر الصهيوني لأسباب عديدة، فيلجأون إلى الخطاب الانهزامي الضّامن لبقائهم داخل المنطقة الرماديّة مع تحقيق أكبر قدر ممكن من الأهداف الإسرائيلية إعلاميًا.
وبين هذا وذاك، ثمّة جمهور يتلقى. غالبيّته يسخر من هذا الخطاب ويتعامل معه على قدر عقل فاعله، وقلّة تهلع ولا لوم عليها بطبيعة الأحوال، إذ ما تزال هالة الظهور على الشاشات تضفي على صاحبها شيئًا من المصداقية أو من الثقة على قاعدة "قد يكون لديه معلومات"! يأتي كلّ ذلك بالتزامن مع حرب إعلامية شعواء يشغّل فيها الصهاينة كلّ أدواتهم المباشرة وغير المباشرة من مؤسّسات وشخصيّات، في سبيل تحقيق الأهداف التي يعجزون عن تحقيقها في الميدان، والتسويق لما قد ينعكس عليهم إيجابًا في تشكيل أوراق ضغط على المقاومة في غزّة ولبنان. وبهذا يذوب الفارق بين المجاهر بصهيونته وبين الرماديّ في الحرب، وبين المرتزق والمجانيّ، فكلاهما يؤدي الدور نفسه وإن بلغة مختلفة وبخطاب تتفاوت فيه درجات العدائية التي قد تتوارى تمامًا خلف ستار التباكي والتهويل: التهويل الذي يصبح صنعة الرماديين في الحرب.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024