نقاط على الحروف
الواوات في اللغة العربية: أنواعها وحالاتها الإعرابية
د. علي أكرم زعير
يُحكى أن أعرابيًا في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أراد أن يقرأ قوله تعالى ﴿أن اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُه﴾ فقرأها على النحو الآتي ﴿أن الله بريءٌ من المشركين ورسولِه)، بعدما توهم خطأً أن ”رسوله“ معطوفةٌ على المشركين، ما استوجب برأيه جرَّ آخرها بالكسرة، نظرًا لكون المشركين اسمًا مجرورًا.
بصرف النظر عن سند القصّة ومدى صحتها، فإن الغاية من عرضها ههنا، تبيان حجم الأهمية التي يكتسبها حرف الواو رغم صِغَرِه ومحدوديته، فقد أفضى بالأعرابي إلى الكفر بما أنزل على الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من حيث لا يدري، فصلاة الله على من أمر أبا الأسود الدؤلي بتنقيط المصحف وتحريكه، وسلامه عليه ما طلعت شمسٌ وما غربت.
وللواو من حيث الشكل رسمٌ واحد لا ثاني له، سواء جاءت متصلةً بما قبلها أو منفردةً، أما من حيث الوظيفة والدور، فهي تتوزع على نحو ١٥ نوعًا، وقيل على نحو ٣١ نوعًا، سنأتي على ذكر ثمانٍ منها فحسب، ولكن علينا أولًا أن نشير إلى أن الواو من حيث الإعراب شأنها شأن أي حرف آخر، تُقسم إلى قسمين، واو عاملة وأخرى غير عاملة.
أ_ الواو العاملة، وهي التي إذا دخلت على جملة أثرت في ما بعدها، فجرَّته أو نصبته، وهي أربعة أنواع:
١_ واو المعية
يكفي أن تسمع باسمها حتّى تدرك معناها وطبيعة الدور الملقى على عاتقها، فهي كما يدل اسمها تحمل معنى (مع)، بحيث لو صادفتها في جملة ما لخِلت أنها (مع)، مثال: سرتُ والنهرَ، كأنك تقول سرت مع النهر.
ويُعرب الاسم الذي يلي واو المعية مفعولًا معه منصوبًا.
كيف نميز واو المعية عن سواها من الواوات؟
هناك حالات معينة قد تبدو فيها واو العاطفة كأنها واو معية، وتلافيًا للوقوع في الاشتباه، فقد وضع النحاة جملة من الشروط يجب توافرها في الجملة حتّى نحكم بأن الواو التي بين أيدينا معية وليست عاطفة، منها:
_ ألَّا يسبق العاملُ (الفعل) المفعولَ معه، مثال: ”والنهر سار أحمد“
_ ألَّا يسبق المفعولُ معه مصاحبَه، مثال: ”سار والنهر أحمد“. ههنا سبق المفعول معه (النهر) مصاحبَه أي الذي سار معه أو بمحاذاته (أحمد).
_ إذا كان أحد الاسمين (الاسم الذي يسبق الواو والاسم الذي يليها) يمتلك القابلية أو الأهلية للقيام بالفعل، في ما الآخر فاقد لها، مثال: سار جواد والشاطئ.
حينما نسمع كلامًا مماثلًا، فإن أول ما يتبادر إلى ذهننا، أن (جواد) سار بمحاذاة الشاطئ، لأن الشاطئ ليس بمقدوره أن يسير، بينما بمقدور جواد ذلك. لا ريب، من أن أحدًا ما لن يفهم الكلام على النحو الآتي: جواد والشاطئ سارا معًا! هذه الفكرة لن تخطر على بال أحد!
أما إذا كان لكِلا الاسمين القابلية للقيام بالفعل، فساعتئذ نحن متروكون لأمرنا، إما أن نعتبر الواو الماثلة أمامنا واو معية وإما أن نعتبرها واوًا عاطفة، مثال: حضر الأستاذ والتلامذة. فالأستاذ بمقدوره أن يحضر، وكذلك التلامذة. كلاهما يمتلكان القابلية للحضور. بخلاف المثال السابق، حيث إن أحد الاسمين كائن حيّ قادر على القيام بالفعل، بينما الثاني من صنف الجماد (الشاطئ) ليس بوسعه الإتيان بأي حركة!
لكن، ماذا لو كان الاسمان لا يمتلكان القابلية للقيام بالفعل فحسب، بل لا بد لكِليهما أيضًا أن يقوما به، وإلا نقص المعنى، مثال: تجادل جواد وهادي. جواد وهادي كلاهما آدميان يمتلكان القابلية للجدال، والجدال محال أن يصدر من طرف واحد، لا بد وأن الطرفين تشاركا فيه، حتّى قلنا تجادلا!
إذا صادفتك حالة مماثلة، فاعلم عزيزي القارئ، أن الواو الماثلة أمامك، ليست واو المعية وإنما واو العطف، لأن كِلا الاسمين يتشاركان الفعل، بمعنى يمارسانه.
٢_واو القسم
وهي شائعة الاستعمال حتّى في لهجاتنا المحكية، إذ كثيرًا ما نقرنها باسم الجلالة فنقول: ”واللهِ لأذهبنَّ إلى فلان“. وقد صنفها النحاة في خانة الواوات العاملة، لأنها إذا دخلت على اسم القسم جرَّته بالكسرة.
٣_ واو الجزاء
هي نفسها واو المعية، ولكنها سبقتْ فعلًا مضارعًا، فاستحقت اسمًا جديدًا (واو الجزاء).
تدخل واو الجزاء على الفعل المضارع فتنصبه بـ (أن) مضمرة، مثال:
لَلبسُ عباءة وتقرَّ عيني. . أحبُّ إليّ من لبس الشفوف
هذا البيت لميسون زوجة معاوية بن أبي سفيان، وقد أرادت أن تقول: أن ألبس عباءةً من الوبر (كناية عن لباس أهل البداوة) وأن تقرَّ عيني، أي أن أشعر بالراحة النفسية أحب إليّ من لبس الحرير والسُّكنى في دار معاوية.
ويبدو من حركة الفتحة الظاهرة على آخر الفعل المضارع (تقرَّ)، أن (الواو) قد نصبته بـ (أن) مضمرة، أي غير ظاهرة.
٤_واو رُبَّ
يشيع في كلام العرب استعمال مفردة (رُبَّ)، وهي حرف جر زائد يجر ما بعده. ويبدو أن كثرة استعمالها قد حدت بالعرب إلى اختزالها في (الواو)، فكانت واو ربَّ، مثال: وليلٍ كموج البحر أرخى سدوله (من معلقة امرؤ القيس، وقد أراد أن يقول: ربَّ ليلٍ حالكٍ أسدل ستائره السوداء).
وتعمل الواو عمل رب، فتجر ما بعدها، كما هو واضح في المثال الآنف.
بـ_ الواو غير العاملة، وهي التي لا تؤثر على ما يليها، فتبقى حركته الإعرابية على ما هي عليه، وهي:
١_ واو العطف، شأنها شأن سائر حروف العطف الأخرى، تعطف ما قبلها على ما بعدها، فتحتِّم على المعطوف عليه أن يتبع حركة المعطوف، مثال: كان الإمام الخميني قائدًا ومفكرًا وفيلسوفًا وعارفًا من عرفاء الإسلام.
كما لاحظنا في المثل أعلاه، فإن حركة (قائدًا) المعطوف انعكست على (مفكرًا) المعطوف عليه، وعلى (فيلسوفًا) معطوف عليه ثانٍ، وعلى (عارفًا) معطوف عليه ثالث.
٢_ واو الإشباع
سُميت بهذا الاسم لأنها تشبع حركة الحرف الذي يسبقها، وهي تدخل على اثنين من الضمائر المتصلة، هما:
_ تاء ضمير رفع المتحرك، مثال: سألكم فأجبتموه.
_ كاف المخاطب، مثال: فأسقيناكموه.
٣_واو الاستئناف
وتسمى أيضًا واو الابتداء. لأنها تؤشر إلى نهاية جملة وبداءة جملة جديدة. وهي دائمًا ما تتوسط جملتين لا علاقة لهما ببعض، لا من حيث المعنى ولا من حيث الإعراب، مثال: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّه)، فقد لاحظنا ههنا أن الواو توسطت جملتين لا علاقة لهما ببعض. ففي الأولى يأمر الله عباده بتقواه، بينما في الثانية يذكرهم بأنه هو من يُعلمُهم.
٤_واو الحال
إذا قلتُ لك: جاءت سعاد مهرولةً، وطلبتُ إليك أن تصيغ ممّا قلتُ سؤالًا، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو أن تقول: كيف جاءت سعاد؟ فيأتيك الجواب: مهرولةً. باختصار، هذا هو الحال، أخي القارئ، فالحال يُبينِّ هيئة صاحبه.
لا يكون الحال إلا اسمًا نكرة. محال أن يأتي معرفةً، ولكنه قد يأتي في بعض الأحيان جملة اسمية أو فعليةً. وهنا بالضبط مربط فرسنا، فالحال إذا جاء جملة اسميةً أو فعلية لا بد من أداة تربطه بما سبق من كلام وإلا لما تم المعنى! تخيل أن تقول: داهمت الشرطة اللصوص هم نيام! كما ترى، إن المعنى لا يستقيم البتة، لذا كان لا بد من واو لتربط ما بين الحال وما سبقه. وهذا ما يسمّى في علم النحو بواو الحال، فوظيفة هذه الواو أن تربط بين الحال وما سبقه.
لتعي جيدًا ما أقول ضع الواو في سياق الجملة، ثمّ شاهد بنفسك ما يحدث. داهمت الشرطة اللصوصَ وهم نيام. فإذًا كان لا بد من (واو) ليستقيم المعنى.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024