معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حرب رواية "الطوفان" بدأت قبل انتهاء الحرب
14/12/2023

حرب رواية "الطوفان" بدأت قبل انتهاء الحرب

ليلى عماشا

تلقّى الصهاينة ضربة مهولة، في السابع من تشرين الأول، ضربة حسمت نتيجة المعركة قبل بدئها حتى. ومنذ اللحظة الأولى التي أدركوا فيها أنّهم ضُربوا، ذهبوا باتجاه الكذب، عادتهم وصنعتهم لتمويه فشلهم الأمني والعسكري الفادح، بل الفاضح في ذلك اليوم، ولإخفاء حقيقة وهنهم كجمع بشريّ يصوّر نفسه على أنّه مجتمع حقيقي.

روّج الإعلام الغربي، بشكل مكثف طوال الأسبوع الأول من العدوان الوحشي على غزّة، كلّ أكاذيب الصهاينة، ولم يكفّ حتى الساعة وإن بوتيرة أخفّ قليلًا: تحدّث عن مجازر لم تُرتكب في المستوطنات، عن اغتصاب نساء وأطفال لم يحدث مطلقًا، بل وبلغ من الوقاحة حدّ ادعاء وجود أربعين طفلًا صهيونيًا ذبيحًا! وبعد أن بدأت الحقائق بالانكشاف، لم يعتذر على الأقل احترامًا لعقول شعوبه الغاضبة والمذهولة ممّا ترتكبه "إسرائيلهم" ضدّ غزّة. بعضه صمت بعد الانكشاف؛ ثم حاول إلهاء الرأي العام بروايات لا يمكن إثبات صحتها من عدمها، وبعضه برّر هذه الأكاذيب أو حاول تجميلها. بالمحصّلة، كذب الإعلام الغربي كلّه في رواية ما حدث في ٧ أوكتوبر.. ثم كعادته حاول التعتيم على جرائم الصهاينة من جهة، ومن جهة أخرى اجتهد في اختراع مظلومية وهمية لهم، لوضعها مبرّرًا لوحشيتهم أمام عين الناس المتضامنة إنسانيًا وأخلاقيًا ضد جرائم الإبادة الحاصلة في غزّة.

يقول آية الله العظمى الإمام السيد عليّ الخامنئي دام ظلّه: "الحرب، اليوم، هي حرب الرواية، وإذا لم نقدّم نحن روايتنا، فإنّ العدو سوف يقدّم روايته". ولعلّ ما يجري الآن، بشكل خاص على الساحة الإعلامية العالمية، هو مثال قريب وواضح جدًا على قوله هذا. فرواية الحرب كان يكتبها المنتصر فيما مضى، المنتصر فقط، أما الآن، فبالتزامن مع المعارك، يكتب الهمجيّ روايته حولها ويروّج لها، كي يستبق كلّ ما قد يمكن أن يرتكبه خلال المعركة، وكلّ ما قد تتحدّث به الأجيال القادمة عنها.. يكذب، يضلّل، يزوّر، يبرّر اركاباته التي تقصم ظهر الإنسانية بوحشيتها، ويفرط في الإدعاءات المكشوفة والمفضوحة، عارفًا أن بعد جيلين أو ثلاثة، قد تغيب الأدلة على الكذبة ويغيب الشهود.. فيترك لما تلاهم من أجيال رواية كاذبة، تصوّره بطلًا محاربًا ضدّ الظلم!

الآن، وعلى وقع النار والعدوان، بدأ الأميركي بصناعة الرواية، روايته، في السينما، بعد أن كان قد بدأها في الإعلام وسوّق لها على مختلف المؤسسات الإعلامية الناطقة باسمه والمؤتمرة بأمر سياساته في كلّ مكان في العالم، حتى في بلادنا التي شهدت بعينها ما حدث! يريد تثبيت الأكاذيب التي صنعها بمشاهد سينمائية تلعب على وتر العاطفة والتضامن الإنساني وتسوّق لمظلومية القاتل الإرهابي!

إذًا، بدأ السينمائي الأميركي ستيڤن سبيلبيرغ بالعمل على مشروع جديد له، يهدف إلى " توثيق الجرائم الهمجية التي ارتكبتها حماس في ٧ أوكتوبر بحق اليهود"، ثمّ يتابع في تفصيل هذه الهمجية على حدّ قوله "اغتصاب النساء والأطفال اليهود". ويدّعي أنّه تمكّن حتى الآن من نوثيق ١٣٠ شهادة من "ناجين". بكلام آخر، يريد الأميركي صناعة فيلم خيالي يروي الأكاذيب التي ادعّى حدوثها وانفضح بركاكاتها وببعدها الكبير عن الواقع وعن المنطق أيضًا، وما لم ينكشف منها بالوقائع كشفته شهادة الأسرى الصهاينة الذين أفرجت عنهم المقاومة في إطار عمليات التبادل خلال الهدنة.
هو يريد كتابة تاريخ لم يحدث بهدف جعله مرتكزًا لمظلومية جديدة للصهاينة، تحت مسمَى اليهود، ويريد أيضًا تصوير الصراع على أنّه صراع ضد أتباع دين وليس ضد عصابات من القتلة المأجورين! وما فاجأ الجمهور، هو اسم المخرج الذي له يحمل له "المثقفون" في بلادنا منّة أنّه صوّر الفدائيين في عملية ميونخ، في فيلم سابق له كأشخاص أصحاب قضية عادلة! يظن البعض أنّ مشروعه الجديد هو تغيّر طرأ على نظرته لقضايانا التي كان يراها من منظور عادل، وينسى أن الخبث الأميركي يدفع به إلى تمثيل دور الموضوعي والعادل حين يغازل نقاط ضعفنا العاطفية، لفتح ثغرات في مجتمعاتنا ويستفيد منها لاحقًا في تمرير رواية كاذبة عن حرب لمّا تنته بعد، وتكون رواية المهزوم المتكبّر الذي وإن سقط عسكريًا، يكابر فيروي مظلوميات له، تكفل التعاطف معه بالرغم من كلّ ارتكاباته ولو بعد حين.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف