نقاط على الحروف
لا للحرب..؟ حقًا؟!
ليلى عماشا
بُعيد أيّام قليلة من اندلاع العدوان الوحشيّ على غزّة، غزت بعض المناطق اللبنانية حملة دعائية مدفوعة طبعًا تحمل شعار "لا للحرب في لبنان" ومرادفاته.. وبالتزامن معها، نشطت أبواق السفارات في التسويق للعنوان نفسه، وطبعًا المنظمات غير الحكومية العاملة في فلك هذه السفارات والخاضعة لتعليماتها بكلّ طاعة ودقّة..
الشعار بظاهره إنسانيّ، يعمل على فصل الموقف الأخلاقي والوطني والسياسي عبر الضرب على وتر الخوف الطبيعي والموجود في كلّ بشريّ، بنسب متفاوتة.. أي يعمل على تحييد المواقف من الحرب وأطرافها والمعتدي فيها، ليصوّرها وكأنّها حال وبائية يحب اجتنابها، مع التذكير بويلاتها بصورٍ تعيد إلى الأذهان الدم والدمار وكلّ الأهوال التي ترافق الحروب عادة.
للوهلة الأولى، يمكن للمرء أن يتفهّم هذا الموقف وهذا الشعار من مراهقين جاهلين بحقيقة ما يجري، ويظلّ متفهّمًا لسطحية هذا الشعار، ريثما يشرح لهم الموقف ويدلّهم على بشاعة استخدامه موقفًا، خلال معركة الحق والباطل: فلا للحرب، هنا، تعني الدعوة إلى الصمت عن الحقّ، على أقل تقدير، نزولًا عند غريزة الخوف!
بداية، من منّا يحب أن يرى الناس وقد هُجّروا من قراهم وبلداتهم، ومن يطيب له أن يرى البيوت مدمّرة والأرزاق ركام؟! من يهوى رؤية أحبّته أشلاء مبعثرة، دوّن على أحزاء منها اسمُ صاحبها وأهله؟ الجواب هو لا أحد.. طيب، من الذي يرتكب جرم تهجير الناس وقتلها وتدمير بيوتها وأرزاقها؟ الصهاينة. وبالتالي، أن تكون حقيقة ضدّ الحرب يعني أن تكون منطقيًا ضد الصهاينة.. ولا للحرب تعني، في قاموس الحدّ الأدنى من المنطق والأخلاق، "لا للصهاينة".
في لبنان، الأمر مختلف قليلًا، فشعار لا للحرب الذي يجري الترويج له معاكس تمامًا للمنطق، وهي عادة مختلف شعارات "الأن جي أوز" (منظمات المجتمع المدني) في لبنان والمنطقة.
ببساطة، الحملة الدعائية والصفحات التي نبتت على منصات التواصل، ولا سيما فايسبوك وتويتر، والتي تروّج ظاهرًا للمفهوم ذي الطابع الطفوليّ، جميعها نتاج تعليمات "سفاراتية" توصي بإعادة صياغة المطلب الصهيوني منذ اليوم الأول للحرب على غزّة: نريد الاستفراد بالفلسطينيين، ولا نريد أن يناصرهم أحد.. نخشى حزب الله المرابض عند الحدود، ولا نريد أن تسمحوا له بالتدخّل. وما عنوان "لا للحرب في لبنان" سوى تمويه رديء لهذا المطلب. بكلام آخر، هو شكل من أشكال تبنّي الرغبة الصهيونية، والتي تصاعدت وتيرتها مع تصاعد وتيرة عمليات المقاومة الإسلامية ضدّ مواقع العدو شمال فلسطين، والتي أدّت إلى نزوح المستوطنين في الشمال وتحقّق في كل يوم إصابات قاتلة في صفوف ضباط العدو وجنوده.
هنا يصبح من السهل ترجمة "لا للحرب" تلك إلى الدلالة الفعلية منها: "لا للمقاومة"، فالساخطون على الحرب بإيعاز "سفاراتي" مدفوع مسبقًا تحت عنوان "تمويل المجتمع المدني"، فهم في الواقع ساخطون على المقاومة وعلى حزب الله وعلى بيئة المقاومة، حتى وإن تباكوا قليلًا على الشهداء وزايدوا على أهلهم في حبّهم!
من ناحية أخرى، يتحدّث الناشطون، في هذه الحملة الضئيلة، باسم اللبنانيين جميعًا، ويوصلون الرسائل الركيكة عن حال وهمية يحاولون تصويرها وهي أن اللبنانيين جميعهم أهل حياد في معركة الحق والباطل. وهنا يواصلون سقوطهم في مستنقع التصهين: فالحياد المدّعى في هذه المعركة هو نصرة للصهاينة، وهو سبيل في ذهن أصحابه يقود إلى تغريب بيئة المقاومة وعزلها عن سائر اللبنانيين. إذ يتصوّر الجاهلون أنّ من يطّلع على المحتوى الذي يقدمونه تحت عنوان "لا للحرب" سيقتنع أن لبنان بلد محايد في الصراع مع العدو الصهيوني، وأن أهل المقاومة فيه دخلاء وغرباء! الغريب أن هؤلاء، وعلى مدى سنين، عملوا بشتى الوسائل على التسويق لهذا الوهم وراكموا الخيبات والفضائح بشكل كبير، حيث لو كان من بينهم عقل حرّ غير خاضع لتعليمات السفارات لكفّ عن تكرار المحاولة بسبب فشل وانعدام فرص نجاحها.. وحيث لو لم تُفلس السفارات وتيأس لما أعادت كرّة تكليفهم بأداء المهام الفاشلة مسبقًا..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024