نقاط على الحروف
"النهار" و"نداء الوطن" في عتمة الصحافة اللبنانية.. "وينن"؟
ميساء مقدم
في ذروة معارك الشرف، ترتقي رايات وتسقط أخرى. فالحروب الوطنية ذات الطابع السيادي، عادة ما تُشكّل ميدان اختبار للشعارات.
داومت صحف لبنانية على الايحاء بتبنيها خطًّا سياديًا وطنيًا، مزايدة بذلك على غالبية اللبنانيين، وعندما حان أوان الفِعل، تاهت الأقوال، وانسحبت هذه المؤسسات الصحفية من المُعترك، كخائن يتنصل من كلام "سُكرة الليل"..
بعد ظهر الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2023، تعرض مركز للجيش اللبناني في منطقة تلة العويضة بين الطيبة وكفركلا لقصف من قبل العدو الإسرائيلي، ما أدى إلى استشهاد عسكري وإصابة ثلاثة آخرين، حيث هرعت إسعاف الطبابة العسكرية لنقل العريفين عبد الكريم المقداد ومحمد موسى والرقيب يوسف إبراهيم والجندي أول أحمد البظر إلى مستشفيَي تبنين وميس الجبل الحكوميين، وما لبث المقداد أن فارق الحياة متأثراً بإصابته.
ارتقاء شهيد من الجيش الوطني على يد العدوّ التاريخي له، يُعد في أي بلد خبرًا أوّل، يُحرّك الضمائر ويحث الأقلام ويُعبّئ الجماهير نحو كراهية ومحاسبة هذا العدو، إلّا في لبنان، فهو خبر أقل من عادي، على أوراق صحافة امتهنت الشعبوية والشعارات الخاوية.
صحيفة "النهار" مثلًا، لم تجد في الحدث ما يستحق أن يورد في المانشيت الرئيسية التي خلت من أي اشارة اليه، وبالعكس، تم توجيهها نحو الطرف المقاوم: "عاصفة ضد "طلائع حماس" والتمديد لعون "حسم"!".
مقالات الكتاب الرئيسيين في الصحيفة التي تناولت قضية الحدود وطوفان الأقصى كذلك، خلت من أي اشارة لجريمة العدو. فنبيل بومنصف وروزانا بومنصف وجّها ضمن مقالين لهما هجومهما المركّز على حركة حماس في مقالين منفصلين: ""الإمارة" تكمن لـ"المقاومة"!" و"المناكفة المسيحية والامساك بورقتي لبنان وفلسطين".
حتى الملخّصات اليومية للصحيفة التي تحرص أن تقدّمها للقارئ يوميًا على موقعها الالكتروني تحت عنوان "5 أخبار بارزة في صباح "النهار"، لم تجد من دماء جنود الجيش اللبناني ما يستحق أن يُذكر. وأوردت عوضًا عنها العناوين الفرعية التالية: ""طلائع حماس" تستفز اللبنانيين... ما علاقة "حزب الله" بها؟ - "إسرائيل تشنّ أشرس هجماتها على غزة منذ انهيار الهدنة... "النهار" في تغطية متواصلة لآخر التطورات - جرس إنذار حول "الكورن فلكس" في لبنان: من يراقب المنتجات في السوق؟ - 2023 قد يكون الأكثر حرّاً في تاريخ الكرة الأرضية منذ أكثر من 100 ألف عام".
أمّا افتتاحية الصحيفة فلها حكاية أخرى مع الخبر. أخّرت الافتتاحية الخبر وأعطت الأولوية قبله للهجوم على حركة المقاومة حماس، ثم لملف التمديد لقائد الجيش، قبل أن تصل مرغمة الى شهيد الجيش اللبناني. ولمّا حانت لحظة الحقيقة، كانت الفضيحة. فقد أفسحت الصحيفة لبيان جيش العدو الاسرائيلي الذي يبرر فيه الجريمة، مساحة أكبر من خبر استشهاد جندي في الجيش اللبناني، في سياسة تحريرية تعكس مفاهيم بعيدة عن السيادة والوطنية. وأوردت الصحيفة ما يلي: "وسط هذه المناخات دفع الجيش اللبناني مرة جديدة ضريبة الدم إذ تعرض مركز عسكري للجيش في منطقة النبي عويضة - العديسة لقصف اسرائيلي ما أدى إلى استشهاد عسكري وإصابة ٣ آخرين وفق ما اعلنت قيادة الجيش. واستشهد في الاعتداء العريف عبد الكريم مقداد وجرح الرقيب يوسف إبراهيم والجندي الأول احمد البظر والعريف محمد موسى"، بما يساوي 54 كلمة فقط، مقارنة مع 83 كلمة لبيان جيش العدو التبريري للجريمة والذي نمتنع عن إيراده.
أمّا صحيفة "نداء الوطن"، والتي بات اسمها يستدعي السؤال "أي وطن؟"، فلم ترتقِ عن زميلتها بحرف. وكانت عكست سياستها التحريرية كذلك اغفالًا واضحًا لخبر استهداف الجيش اللبناني، في مقابل تركيز الهجوم على حركة المقاومة حماس. وكتب في هذا الاطار ألان سركيس "لا حماسة سنية لـ"طلائع حماس": الدولة أوّلاً"، فيما كتبت راكيل عتيّق "السلاح الفلسطيني جنوباً بيد "الحزب"... والمعارضة: لن ننجرّ إلى معارك جانبية"، وكذلك رفيق خوري "ارتهان لبناني لرهانات على حرب غزة"، في مقالات تجاهلت جميعها الاعتداء على جيش الوطن.
وفي نظرة على افتتاحية الصحيفة، تبيّن أن الاعتداء على الجيش كان الخبر في المرتبة ما قبل الأخيرة. وقد ورد من بعد ملفات الهجوم على حركة حماس ثم زيارة مدير المخابرات الفرنسية برنار إيمييه الى لبنان، فلقاءات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش قمة المناخ.
ماذا عن استشهاد جندي في الجيش اللبناني باعتداء اسرائيلي على الأراضي اللبنانية؟ تعاطت الصحيفة مع الخبر بما يتناغم تمامًا مع توجّهات مشغليها التاريخية مع الجيش اللبناني: "استشهد جندي وأصيب ثلاثة آخرون بجروح جراء قصف العدو الاسرائيلي مركزاً عسكرياً في منطقة النبي عويضة - العديسة. ونعت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، الرقيب المقداد، وهو من مواليد 1996، لاسا – قضاء جبيل. وتطوّع في الجيش عام 2018. وسينقل الجثمان صباح اليوم الى بلدته شمسطار في البقاع ليوارى في الثرى".
وكما في صحيفة النهار"، حاز بيان تبرير جيش العدو للجريمة على حيّز مكاني أكبر من خبر استشهاد الجندي، فتضمّن الأول 86 كلمة فيما أفردت الصحيفة فقط 49 كلمة لخبر استشهاد.
يكاد الجمهور الذي ملّ اسطوانات الوطنية والسيادة من كلتا الصحيفتين على مرّ الأعوام الماضية، يتساءل اليوم على الألحان الرحبانية هذه المرّة: "وَيْنُنْ؟ وَيْنُنْ؟ وَيْنْ صْوَاتُنْ وَيْنْ وْجُوهُنْ وَيْنُنْ؟".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024