نقاط على الحروف
بانتظار اللقاء.. على الأرض معسكران ويقين واحد
ليلى عماشا
بانتظار الاحتفال التكريمي للشهداء على طريق القدس الذي سيلتقي فيه أهل المقاومة بسيّدهم الأمين، ترتفع وتيرة التعبير عن الشوق في الشوارع والبيوت وعلى منصات التواصل. لهفةٌ نقيّة تتصاعد بانتظار حلول الموعد. الكلّ جاهز لملاقاة السيّد في الخطاب الذي ينتظره العالم كلّه، والكلّ تحت سقف جميع الاحتمالات التي قد تذهب إليها الحال: "سِلمًا، حربًا، بايعناك".
هذه اللّهفة بانتظار المهرجان لا تعكس فقط علاقة الناس بسيّدهم وبالمقاومة التي ملؤها العاطفة والثقة، بل تعكس أيضًا تموضعهم في حال "الصفر خوف" رغم علمهم بوحشية هذا العدو التي يتابعونها على مدار الساعة في غزّة، بقلوب تتمزّق غضبًا وسعيًا للمساندة، والتي خبروها شخصيًا منذ نشأة كيان الاحتلال، ولعل ذاكرة تمّوز التي لم تزل حاضرة في يومياتهم هي الأقرب: يتساءلون بسخرية واضحة من العدو: ما الذي يستطيع فعله؟ يعيد علينا تموز ٢٠٠٦؟ لم يجرؤ، وإن فعلها فالنصر الإلهي الذي عشناه حينها هو قطرة في بحر النصر الآتي بإذن الله.
الصغار والكبار ينتظرون. وإن جهّز الصغار الأعلام والعصبات التي سيتزيّنون بها حين يرافقون أهاليهم إلى ملاقاة سيّد القلوب، وحفظوا الهتافات التي سيقولونها بصوت فطرتهم الجميل، فالكبار أعدّوا قلوبهم لتلقي كلمات السيّد وصوته في خطاب الفصل، يكرّرون بكلّ يقينهم أنّ كلّ التحليلات والتوقعات التي تسري في الإعلام وعلى منصات التواصل لا تعني شيئًا، وأنّ صوته فقط يحسم الأمر، فإن قال هبّوا للقتال أو قال تريّثوا، لبّوا وكلّهم يقين أنّ البصيرة في ما يقول. أيّ حبّ هو هذا؟ وأيّ عمق تبلغ هذه الثقة؟!
بالتزامن مع كلّ هذا العشق، تزداد ضراوة ووحشية الصهاينة في غزّة من السماء ومن البحر، ويعلو صراخهم مهما حاولوا كتمه على البرّ. يخفون قدر الإمكان جثث قتلاهم وحطام آلياتهم عن عين الإعلام. يتجرّعون الهزيمة أمام قوّة مقاومة محاصرة منذ سنين، ويكاد يقتلهم قبل الرصاص وقبل الرعب، الذهول!
ومع مجريات المعركة، يشتد حضور انعكاساتها على الساحة الإعلامية، ولا سيّما في معسكر الإعلام الصهيوني. يحاول هذا الإعلام عبثًا بثّ روح الهزيمة في النفوس، ولا سيّما عبر تصوير الصهاينة كقوّة جبارة لا تُهزم، وتصوير المقاومة كجهة ضعيفة متروكة، أو كجهة غير معنية بحجم الوجع والقهر الناتج عن استهداف المدنيين انتقامًا!
على سبيل المثال لا الحصر، تصرّ العربية مثلًا في أحد المقاطع الإخبارية على تكرار أن "حماس رفضت وقف إطلاق النار" دون ذكر أي تفصيل يتعلق بالشروط التي ترفضها المقاومة حفاظًا على الناس ودمهم! تكرّر المذيعة العبارة كمن يحاول ضخ مادة سامة في دماغ المتلقي، وترسيخها كأن حقيقة، فيسهل سوقه إلى إلقاء اللوم على المقاومة.
مثال آخر: يطلّ بالأمس شارل جبور، مسؤول التواصل والإعلام في القوات، على إحدى الشاشات - وقد كثر ظهوره مؤخّرًا - ليندب قتلى الصهاينة في رسالة واضحة ربما إلى الأصدقاء "العتاق"، وكذلك يُمنح فارس سعيد مقابلة تلفزيونية ليبث حزنه على "الشهداء" من الصهاينة بلغة "إنسانية" عميقة تودّ لو تخفي حجم التعاطف المتطرّف نحو العدو، فتنفضح بحقدها على كلّ من يقاوم.
المشهد الذي يجتمع فيه عشق أهل المقاومة وغضبهم ورصاصهم الذي يتلاقى مع اخوانهم واهلهم في غزّة، والمتميّز بالحضور اليمني والعراقي في ساحات المواجهة، مع نماذج الانهزامية والعمالة هو مشهد ذو دلالة، يحكي حكاية هذه الأرض التي يتجمّع شرفاؤها من كل صوب كي يقارعوا الشرّ ويهزموه، أما الآخرون فيكابرون على هزيمة الشرّ أمام أعينهم، ويصرّون على الدفاع عنه والانتساب له، ليس إيمانًا منهم بإمكانية انتصاره، بل إمعانًا في السقوط، "نكاية بالطهارة"!
على الأرض معسكران، حقّ وباطل، خيرٌ وشر، ظالم ومستضعف.. وقد حدثنا التاريخ بلغة التجارب والحتميات أن الحق يقينًا ينتصر، وأن الخير هو الأبقى، وأن يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم، وأن الله يمنّ على الذين استضعفوا في الأرض.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024