نقاط على الحروف
في المعركة النفسية أيضًا.. "نحن لا نُهزم!"
ليلى عماشا
غاب الإتصال بين غزّة والعالم. هدف العدوّ متعدّد النقاط في هذا الصدد: عزل غزّة تواصليًا عن كلّ محيطها، التعتيم الإعلامي على خسائره المتوقّعة، الاستفراد بنقل الأخبار وبالتالي الكذب دون إمكانية توثيق ما يثبت كذبه، تمرير الشائعات التي تؤدي إلى إحباط الناس، منع أهل غزّة من التواصل فيما بينهم.
ليلة أمس، لم تكن سهلة على الناس خارج غزّة.. فقد كان الإتصال "يبرّد" قلوبهم قليلًا وكانت معرفة ما يجري مباشرة بالصورة والصوت تضعهم في قلب الحدث، ولأن العدو يمارس علينا حربًا نفسية طاحنة، عمد إلى تمرير الكثير من الأخبار المحبِطة، بالإضافة إلى علم الجميع المسبق بوحشية العدو. فالذي لم يتوانَ عن ارتكاب أفظع المجازر على الهواء مباشرة، سيرتكب في العتم ما هو أفظع منها.
موجة من الغضب الممتزج بالحزن عبرت في قلوب أهل المقاومة، وهي طبيعية ومفهومة، ولكن هل تصبح بأيّ شكل من الأشكال عذرًا للإحباط؟ بالطبع لا، لا سيّما مع معرفتنا المسبقة بمن نواجه، ويقيننا بالقدرة على هزيمته. هل نسمح بأن يشكّل قطع الإتصال مع غزّة بابًا إلى إشاعة روح الإنهزامية والنواح عوض المواجهة والثبات؟ إن سمحنا بذلك نكون قد أدخلنا أنفسنا في مستنقع الجهوزية للهزيمة التي يحلم العدو وكلّ العالم أن تتسرّب إلى أفكارنا. ببساطة، إذا كسب العدو جولة في الحرب النفسية، سنكون قد خذلنا ليس فقط أهل فلسطين، بل كلّ ما نؤمن به.
نحن في زمن الإنتصارات. قالها سيّد الوعد الصادق، ولا يمكن أن نعود إلى زمن الهزائم والإحباط والنواح في النكبات. يقيننا بأننا سننتصر، وإن عزل العدو أرض المعركة وسكب فيها العتم وكلّ ما يمنع عنّا رؤية المجريات، فلدينا عين في قلوبنا ترى وتعرف أنّه ما فعل ذلك سوى لعلمه بأن خسائره في محاولة الدخول البرّي ستفضحه أكثر. يعرف هذا العدو أنّه وبشكل خاص في البرّ سيواجه رجالًا أشدّاء يلقنّون جنوده شرّ الهزيمة، وجهًا لوجه. وهو لا يريد لأحد أن يرى ذلك، أو يعرف به، مداراة لغروره ولصورته أمام العالم، وكي يثبت للغرب الذي نصّبه فزّاعة قاتلة في بلادنا أنّه لا يزال قادرًا على أداء هذا الدور.
ما الذي يخيفنا إن عتّم على غزّة وعزل أهلها عن كلّ العالم؟ هل سيرتكب المجازر؟ هو لا يستحي بذلك أصلًا، فعلها ألف مرّة منذ نشأة كيانه، وفعلها في هذه المعركة بشكل يفوق الخيال في القدرة على التوحّش بدون ضوابط ، دون أن يلتفت أو يتوقّف عند رأي أحد.. إذًا هو لا يعتّم كي يخفي ارتكاباته، بل كي يخفي ما يحلّ به على الأرض. هذا بالنسبة إلى الجانب العسكري القتالي. أما في الجانب النفسي، فالعتمة وقطع الإتصال يفيدانه بترويع الناس عبر تمرير الأخبار التي تمسّ بعزيمتهم. يريد تحويل الجمهور من شارع يزداد عزمًا على الثأر إلى شارع يستسلم ويُحبط.
وهذه المعركة بالنسبة له، تطويع العقل المشاهد، لا تقلّ أهمية عمّا يجري على الأرض. ولذلك هو يخفي خسائره حتى تلك التي في وضح النهار وعلى مرأى العالم. لا يريد أن يتعاظم العقل المدرك لإمكانية هزيمة إسرائيل، لأن وجود هذا العقل هو الذي أسّس لبداية تهاوي الكيان والتي نشهد اليوم جميعًا أوضح مراحلها.
من الطبيعي أن يعزّ علينا عزل غزّة، وهو ليس بالأمر المستجد.. ومن الطبيعي أن يوجعنا مشهد القتل والتدمير الوحشي، وهو أيضًا جزء من طبيعة إسرائيل العدوانية.. ومن الطبيعي أن تحلّ على قلوبنا لحظات يغلب فيها الألم بقيّة مشاعرنا.. ما ليس طبيعيًا ولا مقبولًا، أن نسمح لأنفسنا بإعانة العدوّ علينا عبر التعبير عن الإحباط، ولو تلميحًا.. إن كان أهل غزّة الآن يخوضون المعركة بلحمهم ودمهم، وما مسّهم إحباط أو وهن، من المعيب أن تُمسّ فينا الروح المقاتلة في جهاد التبيين.. هي الحرب، والجانب النفسي منها ساحة معركة، لن نخرج منها إلّا منتصرين.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024