نقاط على الحروف
زلّة لسان "العربية".. صورة عن الإعلام المتصهين!
ليلى عماشا
لا مجال للاحباط في معارك الحق والباطل، مهما بلغ عمق الجرح. فليس في التاريخ نصرٌ مجانيّ، أو معركة من دون تضحيات، أو حرب "سلميّة" على حد أوهام أحدهم. نحن في قلب المعركة، جزء لا ينفصل برهة عن كلّها، بكلّ تفاصيلها وأحداثها ومجرياتها. وأكثر من ذلك، نحن نخوض المعركة بيقين مَن رأوا النّصر بأمّ أعينهم قبل اندلاع الطلقات وقبل أول قطرة دم فيها، وأول نداء. وبهذه الخلفية الواضحة، نحسب شهداءنا بمعيار انتصار الدم على السيف، ونحسبهم عزًّا لنا عند الله، فنعلن عنهم "بكلّ فخر واعتزاز".. أما في معسكر الباطل، فالجوُّ مختلف. يخفي الصهيوني عدد قتلاه، وهم بالنسبة إليه أرقام، كلّما تصاعدت، تصاعد معها وهن المستوطنين ورعبهم، ويمارس بالتزامن مع ذلك بثّ الأخبار والتحليلات التي تظهره كرابح على أرض المعركة. ولتحقيق ذلك يفرض على الإعلام الصهيوني، ولا سيّما العامل في بلادنا، التسويق لكافة السرديات "الإسرائيلية" حول المعركة، سواء بشكل مباشر عبر استضافة متحدثين صهاينة "إسرائيليين" ومن جنسيات أخرى، أو بشكل غير مباشر عبر إشاعة الأخبار التي تهدف إلى إحباط الشارع العربي والإسلامي، وتجاهل كلّ خبر يفضح الخسائر الإسرائيلية في أرض المعركة أو يحدّث عن الانهيار الاجتماعي الذي يعيشه الكيان.
تناقل ناشطو منصّات التواصل بالأمس فيديو لأحد مراسلي قناة العربية، حيث يقوم ببث رسالة على الهواء يحصي فيها عدد الشهداء. وبدا أن فطرته أو قلبه في لحظة ما ورّطاه في استخدام لفظ "شهيد".. ليتدارك الأمر ويعتذر، ثمّ يصحّح": "ضحية". مهما اسودت السخرية لن تكفي لتوصيف بشاعة الموقف هذا، وكلّ ما فيه من ضعف وجبن وخذلان! وكما العربية، سائر المحطّات والقنوات والمنصات التي تنطق بالتصهين الصريح، باللغة العربية، سواء تورّطت بزلّة لسان مراسل أو من دونها: لغة الأخبار واختيار ما يتوافق منها مع الروايات الإسرائيلية أو يروّج لها، وتجهيل الفاعل حين تكون الجريمة أكبر بكثير من أن يقفز عنها محرّرو أخبار لا يزل لسانهم بكلمة حقّ يعتذرون عنها لاحقًا.
ولعلّ هذا التواطؤ الإعلامي مؤشرٌ واضح ليس فقط على انحطاط أصحابه، بل أيضًا على حجم الحاجة الإسرائيلية لدعم إعلامي يسعى لحفظ صورتها ككيان قويّ قادر على بثّ الرعب في قلوب أهل الأرض.
هذه الحاجة الصهيونية الملحة لتفعيل وتنشيط واستخدام "جنوده" في الإعلام ليست مستجدة ولم تفرضها المعركة، فهي مشهودة على مدار الأيام. لكنّها في أيام المعارك تتخذ شكلًا أكثر صراحة ووضوحًا، وأعنف في الاستماتة بالدفاع عمّا يريده الصهيوني، ولو كان تحويل الإعلاميين إلى روبوتات ناطقة، تبرّر ارتكاب المجازر حدّ التشجيع عليها، عبر بثّ أخبار تقول على سبيل المثال أن المقاومين يطلقون النار من بين المدنيين، أو حتّى تتهم المقاومة بارتكاب المجزرة، كما حدث في مذبحة المستشفى المعمداني.
وقد يغالي إعلاميّ من هنا أو هناك ويحاول أن يتصهين أكثر من المتصهينين أنفسهم، فيصيغ هواجسهم وأسئلتهم على شكل مطالبات يوجهها إلى المقاومة: ينتظر الصهاينة ولو كلمة من السيّد نصر الله. يكاد بعضهم يدعو إلى تظاهرات تطالب السيد بقول شيء. ويعرفون أن هذا "الصمت" جزء من المعركة، وسلاح فيها، وتشويش على كلّ خططهم، وإضعاف لقدرتهم على الحركة، وإرباك تام ومقصود لهم. يراهم بعض أدواتهم على هذه الحال، فلا يهون عليهم أن يبقى مشغّلهم على هذه الحال. فيتذاكون في كتابة ونشر الأضاليل التي تسعى إلى "استفزاز" السيّد للكلام، أو تتهمه بتجاهل الحدث العظيم عبر مزايدة رخيصة على السيّد والمقاومة الإسلامية في حبّ فلسطين. لا داعي للتعليق هنا، يكفي أن يضحك المرء حين يرى مَن يزايد على مَن، ومتى!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024