نقاط على الحروف
عن تبنّي الرواية الصهيونية.. وخيانات تحت النار
ليلى عماشا
أن يقوم الإعلام الغربي بتبنّي الرواية الإسرائيلية حول كلّ الذي يحدث في فلسطين، فذلك أمر بديهي وطبيعي؛ فهي روايته أيضًا، وهي النسخة التي يحتاج إلى تعميمها وإلى جعلها "القصّة" التي يبني عليها الأفراد الغربيون معتقداتهم حول فلسطين وحولنا، نحن أهل الأرض.
أما أن ينساق إعلام عربي وإعلاميون عرب، مهما كان خطّهم واتجاههم، للتسويق لهذه الدعاية، فيصبح الأمر أكثر بكثير من مجرّد تبنّي لرواية العدو، بل يصبح وبالتوصيف الموضوعي ترويجًا متعمّدًا ومعادًا وربّما جزءًا من "التعليمة" التي تأتي من المشغّل وتنتشر.
في زمن السوشيل ميديا، لم يعد حضور الإعلاميين و المذيعين يقتصر على المساحة الزمنية التي يطلون فيها عبر شاشة أو إذاعة، بل صاروا حاضرين على مدار الساعة للتعبير عن أفكارهم ومواقفهم وأجنداتهم. وهنا لا نتحدث عن أفكار ومواقف وأجندات شخصية، بل هي تأتي وفق سياسة المحطات التي توظفهم، والتي تدير سياسات تحريرها السفارة الأميركية بشكل خاص. بكلام آخر، *ليس من الضروري أن تعبّر منشورات ليال الاختيار ونيكول الحجل عن آرائهما* الشخصية، فالإعلام الذي يجد أن لا بأس بالتسويق لرواية الصهاينة حول المجازر، يكون قد اشترى، ممّا اشترى، الآراء الشخصية لموظفيه ولواجهته الناطقة. وبالتالي، الردّ على الأشخاص ومحاججتهم لا يبدو ذا جدوى، فالأجدى الردّ على العقل المؤجَّر الذي يبثّ فيه الغرب، وبشكل خاص الأميركي، ما عليه قوله أو فعله، سواء في برنامج تلفزيوني أو إذاعي، أو في منشور على منصات التواصل.
تبقى مشكلة أن معظم العاملين في هذا الإعلام، أي الإعلام المتأمرك، يلعبون دائمًا لعبة "رأس النعامة في الرمال". لا ينتبهون لتفصيل وضوح "التعليمة" وهم يتولون تبنيها والتنظير لها بشكل متزامن، بحيث يمكن للمتابع تقدير الوقت الذي تمَّ فيه إبلاغهم بما عليهم قوله، فيذهبون إلى دور الضحيّة، بتمرّس، ويلقون على المتابعين تهمة تخوينهم، دون النظر برهة نحو وضوح المشهد الذي كشف تورّطهم. وقد يبدو الأمر بسيطًا في الأيام العادية، أما في أيام كهذه التي نعيشها اليوم، فالقصّة مختلفة. لا يروّج هؤلاء لوجهة نظر يريد لها الأميركي أن تنتشر، بل لرواية العدو بشكل صريح وواضح، ويضيفون عليها بعض عبارات التعاطف المزايد مع أهل غزّة وشعب فلسطين، على قاعدة أنّهم بذلك يكونون قد أدّوا قسطهم للعلى بالموقف الوطني الإنساني.
تقول رواية العدو إن "مدنييه" في خطر وجيشه يقوم بحمايتهم - وهذه بحد ذاتها كذبة حقيرة فلا وجود لصهيوني مدني ــ وإن المجازر في غزّة سببها أن المقاومة تتخذ من السكان دروعًا بشرية، وإن مجزرة المستشفى المعمداني سببها صاروخ أطلقته المقاومة. كما يروّج في محاولة لشقّ وحدة الساحات لفكرة أن غزّة تُركت وحدها، ويكلّف بالترويج لهذه الكذبة الواضحة بعض الشخصيات التي لم تشهر بعد عداءها الكامل لقوى المقاومة. وهو بذلك يهدف إلى تحريض أهل المحور المقاوم ضدّ بعضهم بعضًا، أو بالحدّ الأدنى يريد القول للفلسطيني إنّ الجميع تخلّوا عنك، فسلّم!
هذه الدعايات المعادية في حالة الحرب هي سلاح يعمل بخدمة العدو، سواء علم حامله ومتبنيه والمروّج له بذلك أم لم يعلم. وهي تأتي في كثير من الأحيان مطعّمة ببعض عسل التضامن كي يسهّل مسرى السمّ في عقل المتلقي. إلّا أنّ المسار الطويل نسبيًا لمعايشتنا للحرب الإعلامية، وانكشاف أدوات العدو ومصطلحاتها وأساليبها، ضيّق هامش حركة الإعلام المناهض للمقاومة اليوم، فقد أصبح مكشوفًا بشكل يجعل المتلقي يشكّك فيه حتى ولو قال إنّ اللّبن أبيض. لذلك، لا خطر حقيقيًّا من وجوده وحركته، إلّا أنّ هذا الوجود الذي يدين صاحبه مع كلّ منشور وفي كلّ إطلالة، يجعل من تبنّي الموقف الخياني يبدو وكأنّه وجهة نظر تمّ المرور عليها بصمت، فيظنّ حاملها أنّها فعلًا وجهة نظر تُحترم، وهي في الواقع خيانات متفرّقة، ترفّع أهل الحقّ عن محاسبة مرتكبيها، لأنّهم يقاتلون أسياد هؤلاء.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024