نقاط على الحروف
بين المجزرة والخبر.. مسافة تعجّ بإعلام يكذب
ليلى عماشا
على الأرض، هناك في غزّة، في المستشفى المعمداني، مجزرة. الصور تعلو فوق أي مقدرة توصيفية لغوية، وحده الدّمع المرّ قال ما رأى، والحزن فاض، سال، استحال خناجر غضب حملها كلّ قلب واستعد لطعن الصهاينة ولو افتراضيًا..
رأينا بالأمس، ممّا رأينا، أبًا يحمل كيسين، وقبل أن يفكّر الرائي بما قد يحويان، عرف أنّ فيهما ما تبقى من أشلاء أولاده: الأب واقف بإباء وكسرة الظهر في عينيه تنطق، وتستحضر بحرًا من دموع من كلّ عين رأت، وما استطاعت شيئًا سوى المواساة، من البعيد البعيد. ورأينا، في الأرض الدم والأشلاء غطاء. تُغطّى الجثامين عادة، ولكن في غزّة، رأينا الأرض تغطيها الجثامين. كأن الأرض شهيدة تحنو عليها الجثامين وتصير لها غطاء ريثما يُغسل عنها الدم. رأينا يا الله أشلاء الطفولات التي ذُبحت، والأمومات الحاملات الجمر بيد، وأكفّ الأطفال التي تناثرت في المكان، كورد. ورأينا خبرًا يقول أن "لا إصابات، الكلّ استشهد!" فتجمدت أرواحنا برهة أمام هول الذي جرى، وتمسكت بيقينها أكثر: ستزول إسرائيل من الوجود.. ثأرًا لهذا الدم وكلّ دم سبقه، ستزول.
اللحظات الأولى لوصول خبر المجزرة الوحشية كانت كفيلة بإشعال القلوب قهرًا ناضجًا وغضبًا لو استحال رصاصًا لأغرق كلّ الصهاينة في الأرض بدمهم. خرجت الناس إلى الشوارع: غزّة بعيدة، ومهما كان الشعور بأهلها حقيقيًا وصادقًا، ندرك أن الجمر لا يحرق إلّا "مطرحه"، وأن تعاظم احساسنا بالألم يعني أن ألمهم أعظم بكثير من هذا الذي يغزو صدورنا ويفتّت قلوبنا. غضب في الشارع الأردني، دفع الجموع إلى مهاجمة السفارة الإسرائيلية هناك. في إيران، تظاهرات في الشارع هتفت "بسم الله بسم الله سيّد نصر الله"، وكذلك في لبنان، حيث سُمع هتاف "منشان الله يا سيّد يلا" في العاصمة والشمال والبقاع والجنوب والضاحية، قرب مركز الأمم المتحدة في بيروت، قرب السفارة الفرنسية وفي عوكر، حيث وكر الشرّ وسفارة رأس الأفعى.
من البعيد، ليس من الممكن متابعة الذي يجري سوى عبر الإعلام ومنصات التواصل. وفيما كانت الأخيرة تضجّ بالحزن وبالغضب، كان بعض الإعلام "العربي" يحرص على انتظار الرواية الإسرائيلية عمّا جرى، كي يبدأ بالترويج لها. وكما كان متوقّعًا، في كلّ مرّة تتمادى فيها "إسرائيل" إلى هذا الحدّ، تحاول التنصّل من ارتكابها المشهود وتتهم المقاومة بالقصف، ليتبيّن فيما بعد أنّ روايتها الكاذبة هي فبركة يتكفّل الإعلام العامل بخدمتها بالترويج لها، بشكل مباشر وواضح أو بشكل موارب وتلميحيّ يكتفي بإثارة الشكوك حول الحقّ الواضح بداعي "الحيادية"!
ولذلك، لم يكن غريبًا أن تتأخّر بعض القنوات العاملة في لبنان عن مواكبة الحدث من غزّة. وحين التحقت LBCI على سبيل المثال، تحاشت حتى التلفظ بكلمة "مجزرة" وغطّت الفجيعة كأن كارثة طبيعية حصلت في المستشفى الذي تحوّل إلى مقبرة فيها ما يزيد عن ٥٠٠ شهيد. أمّا MTV التي تابعت بث برامجها بشكل اعتيادي فتحدثت خلال التغطية لاحقًا عن إمكانية أن يكون الصاروخ الذي أصاب المستشفى "فلسطينيًا" وكانت من أوّل الذين نقلوا عن متحدّث في "الجيش الإسرائيلي" أن ليس لديهم تقارير تفيد عن قصف المستشفى.
أما القناة المسمّاة بالـ"عربية"، والتي اتفق الجمهور على منحها لقب "العبرية" لوقاحة مجاهرتها بالنطق كما يشتهي الصهاينة، فلم تكتفِ بالترويج للرواية الإسرائيلية، بل أفردت لها الهواء ومنحت المؤتمر الصحفي للناطق باسم جيش الاحتلال اليوم مساحة البث الكاملة لتتمكّن من تمرير كلّ تبريراته وأكاذيبه واتهاماته للجهاد الإسلامي بقصف المستشفى، وهي بذلك لا تروّج للكذبة فقط بل تتبناها علانية وقد تحارب من يشكّك بها.
إن استخدام الأدوات الإعلامية في محاربة محور المقاومة يصبح في أيام القتال أوضح وأقذر، ليس لأن مهامه تتغيّر أو تتكثّف بل لأنّه يصبح شريكًا بالعبث بمسرح الجريمة، قل شريكًا بالجريمة نفسها، ولذلك تصبح مثلًا "العربية"، التي تُعتبر من أبرز الأدوات الإعلامية المجتهدة في خدمة الصهاينة، قناة محاربة شريكة بسفك دمائنا، وأكثر من ذلك، هي لا تكتفي بالتعمية عن القاتل، بل تمضي في الوقاحة أكثر، وتجرّم الضحية!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024