نقاط على الحروف
ثوابت المرجعية في الدفاع عن المقدسات الدينية
بغداد - عادل الجبوري
في بيانها الذي أصدرته تعليقًا على اعتماد مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة مشروع قرار يقضي بالتصدي للكراهية الدينيَّة التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف، قالت وزارة الخارجية العراقية، انه "كان لرسالة المرجع الديني الأعلى سماحة السيد علي السيستاني، التي وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيِد أنطونيو غوتيريش دور مهم وإيجابي في محاربةِ هذا الفكرِ المتطرف الذي يؤدي للإساءة للمقدسات ورموزها وحرق الكتب السماويَّة ومنها القرآن الكريم".
وفي رسالته الى الامين العام لمنظمة الأمم المتحدة بخصوص انتهاك حرمة المصحف الشريف في السويد من قبل لاجئ عراقي، كان المرجع السيستاني قد أكد على ثلاث نقاط جوهرية هي:
* إن هذا التصرف المشين وقع أكثر من مرة في بلدان مختلفة خلال السنوات الأخيرة، بيد انه في هذه المرة كان هناك ترخيص رسمي من الشرطة السويدية، بزعم أنه من مقتضيات احترام حرية التعبير عن الرأي.
* إن احترام حرية التعبير عن الرأي لا يبرّر أبدا الترخيص في مثل هذا التصرف المخزي الذي يمثّل اعتداء صارخا على مقدسات أكثر من ملياري مسلم في العالم، ويؤدي الى خلق بيئة مواتية لانتشار الأفكار المتطرفة والممارسات الخاطئة.
* على منظمة الأمم المتحدة اتخاذ خطوات فاعلة لمنع تكرار أمثال هذه التجاوزات والاساءات والانتهاكات، ودفع الدول الى إعادة النظر في التشريعات التي تسمح بوقوعها، ولا بد من تثبيت قيم التعايش السلمي بين أتباع مختلف الأديان والمناهج الفكرية بالاستناد الى رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين الجميع.
ولم يتأخر الأمين العام لمنظمة الدولية انطونيو غوتيريش في التعليق على رسالة المرجع السيستاني، بالقول "تسلمت رسالة السيد السيستاني، وأقدّر عاليًا جهود سماحته وسأقوم بإعداد رسالة جوابيّة بهذا الشأن".
ولعله من المهم النظر الى هذه الرسالة من زوايا مختلفة، الأولى هي زاوية الحدث، والثانية هي زاوية صاحب الرسالة، والثالثة هي الجهة الموجهة اليها الرسالة.
وبالنسبة للحدث، فإن مجرد الأجواء وردود الأفعال واسعة النطاق التي أوجدها، كانت كافية للتدليل على خطورته وحساسيته من كل النواحي، دون التعاطي معه بمعزل عن أحداث ووقائع سابقة مماثلة أو مشابهة له، أو بعيدًا عن مجمل التثقيف والتسويق والتحريض السياسي والاعلامي والعقائدي والفكري الغربي ضد الاسلام والمسلمين على امتداد حقب ومراحل تاريخية طويلة.
بعبارة أخرى إن ما قام به اللاجيء العراقي المسيحي "سلوان موميكا" لا يمكن فصله عن الإساءات والتجاوزات السابقة ضد المقدسات الدينية الاسلامية التي أخذت تتصاعد وتتزايد بوضوح. وبحسب ما يقول بعض المراقبين "ان الماكينة الغربية رفعت وتيرة ترويجها وتحريضها ضد الإسلام منذ مطلع الألفية الجديدة بصورة لافتة. وما يعزز ويؤكد ذلك، هو أن الحكومات الغربية هي التي تسمح وتشجع وتجيز مثل تلك الممارسات، والسويد تعد مثالًا صارخًا، وقد قالت بصراحة بشأن احراق القرآن الكريم من قبل سلوان موميكا، عبر بيان رسمي للشرطة السويدية بأن "طبيعة المخاطر الأمنية المرتبطة بإحراق المصحف لا تبرر بموجب القوانين الحالية رفض الطلب". علمًا أن ما جاء في طلب موميكا هو "أريد التظاهر أمام المسجد الكبير في ستوكهولم، وأريد التعبير عن رأيي حيال القرآن.. سأمزّق المصحف وأحرقه"!
ومنذ بداية العام الجاري، أعطت السلطات السويدية الضوء الأخير لشخصيات وجماعات متطرفة لاحراق القرآن الكريم، كما حصل في أواخر شهر كانون الثاني-يناير الماضي أمام السفارة التركية بستوكهولم، ناهيك عن ممارسات سابقة مشابهة أو مماثلة جرت خلال الأعوام الماضية في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والدانمارك وهولندا وغيرها، ربما كان أبرزها اقدام القس الأميركي تيري جونز على احراق نسخ من القرآن الكريم في عام 2010 تزامنًا مع الذكرى السنوية التاسعة لأحداث 11 ايلول-سبتمبر، والذي أدلى في حينه بتصريحات استفزازية سيئة، ادعى فيها "أن الإسلام من عمل الشيطان، وانه مسؤول عن هجمات 11 سبتمبر". وكذلك اساءات مجلة "شارلي ايبدو" الفرنسية ومطبوعات اوروبية أخرى مرات عديدة للرسول محمد (ص) عبر رسوم مبتذلة ساخرة.
وليس من باب المبالغة والتهويل، القول إن الترويج والتشجيع والتحريض على انتهاك المقدسات الدينية الاسلامية في الغرب، لا يختلف عن سلوكيات وممارسات الجماعات والتنظيمات الارهابية التكفيرية كـ"القاعدة" و"داعش" من حيث الجوهر والمضمون والأهداف المبتغاة، ولا يختلف عن الحرب الناعمة التي تشنها مؤسسات وحكومات ومنظمات غربية على الشعوب والمجتمعات الاسلامية، لتتجه يوما بعد آخر الى استخدام أدوات -اشخاصًا كانوا أو مؤسسات وأجهزة وامكانيات- من داخل منظومات المجتمعات الشرقية والإسلامية.
ولأن المرجعية الدينية أدركت بحكم قراءتها العميقة والدقيقة لطبيعة حدث احراق القرآن الكريم وتدنيسه وما يمكن أن يفرزه من آثار وتداعيات سلبية خطيرة، فقد كان طبيعيًا ومتوقعًا أن تبادر إلى التدخل والتواصل ليس مع الحكومات، وانما مع أعلى وأوسع منظمة دولية ألا وهي الأمم المتحدة. ولأن الأخيرة تدرك وتعلم مكانة المرجع السيستاني وحجم تأثيره ومستوى حكمته في التعاطي مع الأحداث، فإنها لم تتأخر في الاستجابة والتأكيد على سرعة الاجابة. بل وأكثر من ذلك، فإن الحكومة السويدية بعثت برقية الى العراق والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي، أكدت فيها أنها "ترفض بشدة مثل هذه الأعمال المعادية للإسلام، وأنَّها لا تدعم أو تتغاضى بأي حال عن الآراء المعادية للإسلام التي عبر عنها الشخص المعني خلال هذه الواقعة، وان حكومة السويد تتفهم تماماً أنَّ المسلمين في السويد وفي الدول الأخرى قد شعروا بالإهانة لما حدث"، فضلًا عن ذلك فإن الاتحاد الأوروبي عبّر عن موقف مماثل، وكذلك الزعامة المسيحية العالمية في الفاتيكان.
قد لا تملك الأمم المتحدة سلطة مادية فعلية على حكومات الدول الأعضاء فيها، وليست معنية كثيرًا بطبيعة القوانين المتعلقة بحرية التعبير في هذه الدولة أو تلك، لكنها قادرة بنسبة معينة من خلال منظماتها ومؤسساتها التخصصية ذات الطابع الدولي ووفقًا لميثاقها، أن تساهم في الحؤول دون حدوث مشاكل وأزمات وصراعات دينية وعرقية ومذهبية هنا وهناك، أو في أدنى تقدير، تقليص احتمالات وامكانيات حدوثها. وذلك يمكن أن يتحقق عبر إعادة تعريف وصياغة وتنظيم مفاهيم الحريات وحدودها وضوابطها بما لا يسمح بإساءة استخدامها وتوظيفها بصورة سلبية تنتهك حريات الآخر، وتتعدى على قيمه ومبادئه، وتتجاوز على رموزه ومقدساته.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024