نقاط على الحروف
"إلّا وأنت معي…"
ليلى عماشا
تلامسُ العبارة أعمق نقطة في القلب، وتعقد رابطة سماوية بين طرفيها، أو أطرافها، بحيث يصبح التآخي فيما بينهم أجمل صورة من صور الإرتباط الوجداني النقيّ بين القلوب، وتؤسس لمجتمع "رحماء بينهم" الممهّد والمهدويّ.. لذلك، ينتظر أهل الحبّ يوم الغدير ليس فقط ليعلنوا التزامهم الأبديّ بخطبة رسول الله (ص) عند غدير خمّ، وبالولاء لأميرهم علي (ع) مدى الدهر، بل أيضًا ليكون هذا اليوم مناسبة للتآخي فيما بينهم: صيغة التآخي بين الشيعة في يوم عيد الغدير: "آخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله وأنبيائه والأئمة المعصومين عليهم السلام على أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لي بأن أدخل الجنة لا أدخلها إلا وأنت معي".
حيثما تُقال هذه الصيغة المرصّعة بأجمل وأبهى ما يمكن للمشاعر الإنسانية حمله، يشعر المرء بأنّ فيضًا من الحبّ الولائي غمر المكان، فكيف حين يقولها شهيد لشهيد قبيل الشهادة، ويصبحان بها مصداق "إلّا وأنت معي".. هل يمكن للقلب تصوّر مقدار النور عند باب جنّة يتوافد إلى بابها الشهداء، لا يدخلها أحدهم من دون الآخرين، لأنهم تعاهدوا على ذلك في عيد الغدير؟ مجرّد تخيّل المشهد يُشعل القلب حبًّا ولهفة..
في روضة الحوراء (ع) كما في كلّ أرض احتضنت أضرحة الشهداء أو أثرهم المفقود، يمكن تلمّس عطر التآخي في يوم الغدير.. جميعهم، قالوا للآخرين "إلّا وأنت معي" وجميعهم صدقوا عدهم.. منهم من سبق غيره، ومنهم من ارتقوا سويًّا، ومنهم من لم يزل هنا يؤلمه الإنتظار ويسكنه اليقين بأنّه سيلتحق بهم حين يأذن له ربّه، فيلحّ في الطلب شوقًا ولهفةً وغربة في الدنيا..
مع اقتراب عيد الغدير، قلّما نلمح صور الشهداء فرادى، نراهم كلّ مع أخ له شهيد، ومن تُموّه وجوههم في الصور أو يغيبون عن "كادراتها" هم المنتظرون المشتاقون.. تزداد وتيرة النبض أمام حضور تآخيهم المشهود والذي ذهب إلى أقصاه بالشهادة، نراهم قوافل أقمار متراصّة، تردّد صيغة التآخي بحبّ ولائي يتمّم مراسم بيعتهم للأمير وللأئمة المعصومين عليهم السلام، تقف جميعها عند باب أسرار أمنا فاطمة (ع)، وتعد الغريبة زينب (ع) بأن لن تُسبى مرّتين وتصدق وعدها.. نرى الحاج قاسم والحاج أبي مهدي سويًّا، ونرى كلّ منهما مع شهداء سبقوهما، نرى الحاج عماد والحاج مصطفى بدر دين، ونرى كلّ منهما مع آخرين شهداء أيضًا.. نرى أقمارنا الذين ارتقوا في سوريا، أسراب حبّ لا تهاجر منفردة ناحية الجنة، نرى حسن وياسر، ونرى السيد الزنجاني وكلّ من لبسوا يومًا عمامته ثمّ ارتقوا.. نراهم، ونغرق في ما فاض عن حواف حضورهم من نور تجاوز حدود الزمان وعبر إلينا من يوم وقف الرسول الأعظم (ص) وأمسك بيد ابن عمه وأخيه علي (ع) وقال "من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه".
ببساطة، صوت الشهداء وكلماتهم الباقية والتي بتنا نحفظها ونردّدها هي دائمًا في صدرِ الذاكرة والقلوب. حتى ما سُجِّل من أحاديثهم العادية ومن مواقفهم اليومية ومن وصاياهم ومن حكاياتهم التي يحفظها رفاقهم جيّدًا، يصبح بالنسبة إلينا محطة من نور نذهب إليها كلّما خشينا على أعين قلوبنا من الظلمة، فكيف بأصواتهم وهم يتبادلون عهد التآخي؟! هذه الـ "إلا وأنتَ معي" حين يقولها الشهداء تصنع في قلوبنا نموذجًا حيًّا عن المحبة والتراحم الواجب فيما بيننا جميعًا، كي نعبر بأنفسنا وبمجتمعنا إلى الأمان في الدنيا وفي الآخرة معًا.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024