معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الرذيلة السياسية في الصحافة.. "النهار" تُجرّح بفلسطين
23/06/2023

الرذيلة السياسية في الصحافة.. "النهار" تُجرّح بفلسطين

ليلى عماشا
يودّ المرء أحيانًا لو أمكنه شكر القبيح على المجاهرة بقبحه، فيكون قد أعفى الآخرين من جهد البحث والتحليل لإثبات هذا القبح، الذي يبقى أحيانًا غير واضحٍ تحت عنوان حريّة الرأي والصّحافة. فالمسافة بين ممارسة الرذيلة السياسية وحرية الصحافة تكاد لا تلحظ، لشدّة ما تمرّس هؤلاء بالمحاضرة بتلك الحريّة، فعاثوا في الصحافة فسادًا.

كي لا نبقى في العموميات، خرجت علينا بالأمس جريدة "النّهار"، بعنوان قبيح ومستفزّ ومُخجل ومسيء وعدوانيّ وجارح: "اسرائيل تستهدف خليّة إرهابية في الضفّة الغربية". وقد تكون هذه من المرّات القليلة التي تنجح فيها الجريدة المعروفة ارتباطاتها تاريخيًا والمكشوف معلف تمويلها قديمًا وحديثًا، في التعبير عن سياستها التحريرية بشكل مباشر لا يتوخى الرمادية ولا يتلطّى تحت ستار الحياد البغيض. لهذا، عوض الغضب على ارتكابها، رغم سفالته، وجب شكرها وتهنئتها على هذا الوضوح الذي يشكّل درسًا في الفوارق بين حرية التعبير وإبداء الرأي من جهة، والخيانة من جهة أخرى.

اتخذت "النهار" طرفًا واضحًا من دون أن تلجأ حتى إلى التذاكي في تبرير العدوان، كلّ عدوان صهيوني داخل فلسطين أو خارجها. وقفت تمامًا في المعسكر الذي تعبّر عنه في كلّ سلوكها الصحفيّ واعتبرت أقمار الشهادة في جنين "خليّة إرهابية"! نعم، في العادة، حتى أقبح أهل الكتابة في الدّول المطبّعة والخاضعة أنظمتها تمامًا للكيان الصهيوني، يستحون من تسمية المقاومين في داخل فلسطين بالإرهابيين، على اعتبار أنّ وضوح الجبهات في الداخل الفلسطيني يفرض عليهم نوعًا من التذاكي كي لا يُفتضحوا بالسفاهة والغباء وبمساندة القاتل علانية. تراهم يحاولون عتاب "الإسرائيلي" أو حتى المزايدة بالدم الفلسطيني عبر التعبير عن عاطفة كاذبة تدفعهم إلى دعوة السلطة إلى ملاحقة المقاومين واعتقالهم كي لا تقتلهم "اسرائيل". صحيح أن كلّ هذا ينبع من عمالة واحدة ويصب في مستنقع فاحت قباحته حدّ التلوّث ولو بالمرور بقربه سهوًا، إلّا أن الارتكاب النهاريّ بالغ في وقاحته وفي مخالفته لأبسط قواعد احترام الناس عبر الكتابة بالعربية ما يُفترض ألّا نصادفه إلّا في الصحف "العبرية".

"النّهار"، التي عدّلت المنشور فيما بعد بما يتماشى مع تمويه التصفيق المفضوح أصلًا لمعسكر "إسرائيل"، لم تسقط سهوًا، ولم تخرج عن السياق الذي نعرفه في خطّها كصحيفة، فالقيّمون عليها كما غالبية كتّابها يعتبرون أن المقاومة في فلسطين وفي كلّ مكان، هي عمل إرهابي يسيء إلى "اسرائيل". هذا النمط من التفكير والتعبير يتخطى بأشواط الدعوات إلى التطبيع، المدانة أصلًا، ويشهر انتماء واضحًا وصريحًا إلى طرف "الإسرائيلي" بل ويشجعه على "محاربة الإرهاب" من وجهة نظره التي تصبح حكمًا وجهة نظر أدواته.

إذًا، عُثر بالأمس على "خبر" يختصر كلّ الخطّ التحريري لصحيفة يُقال عريقة في التصنيف الصحفي في لبنان وحتى في العالم العربي، بل على خبر يفضح بشكل لا لبس فيه، مسارًا خيانيًا وسلوكًا يشوّه معنى حريّة الصحافة ويحوّله إلى منصّة تعلّم النطق بالمفردات الصهيونية وتسوّق لها، من دون خوف من محاكمات القرّاء، فالمموّل أولى بالطاعة، والعبيد لا يملكون اختيار مفرداتهم، هم يردّدون ويسوّقون لمفردات المالك والمشغّل، سواء في أحاديثهم اليومية، أو في عنوان خبر.

الإعلام والاتصالوسائل الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة