معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

حدث في غير الضاحية… "بيقطع"!‎‎
22/12/2022

حدث في غير الضاحية… "بيقطع"!‎‎

ليلى عماشا

ورد ليلًا خبرٌ عن دويّ انفجار وحريق في منطقة عين الرمانة وتضاربت المعلومات بين كونه ناتجًا عن قارورة غاز ومولّد كهرباء. الخبر لم يأخذ حيّزًا أكثر من ذلك في الإعلام والصحافة وحتى منصات التواصل. وهو أمر طبيعي ومهني، فالأحداث، كلّ الأحداث ولا سيّما العرضية منها، ينبغي أن لا تخضع إلى تعديلات وتأويلات أو إعادة تشكيل بحسب رغبات المتحدثين عنها أو أجنداتهم. انفجرت قارورة غاز. هو أمر يحدث وقد يكون شائعًا. تعطّل مولّد كهرباء وانفجر. هو حادث قضاء وقدر. ولكن، ماذا لو كان المولّد الذي ضاق ذرعًا بعمله المتواصل أو قارورة الغاز التي بات سعرها يكسر ميزانية العائلات قد انفجرا في حيّ آخر من أحياء الضاحية؟ هل كان الخبر سيرد بهذه البساطة والموضوعية؟ هل كان سينام أهل التحليل والتأويل والتضليل ليلهم دون محاولة تلبيسه كلّ أوهامهم وأكاذيبهم بغية استثماره إلى أقصى حدّ ممكن؟

إليكم ما كان يمكن أن يملأ الليل ضجيجًا فيما لو لا قدّر الله وقع انفجار مماثل في بئر العبد أو حارة حريك أو حيّ السلّم أو الرويس أو الشياح:

- انفجار غامض في الضاحية تلاه انتشار أمني مكثّف وأنباء تتحدّث عن وقوع ضحايا. يلي الخبر العاجل هذا استضافة محلّل يؤكّد وقوع الانفجار الكبير ويعلن عن تحليله للدخان المتصاعد منه جازمًا أنّها مواد تُستخدم في صناعة العبوّات، ثم يحضر شاهد عيان بصوت مموّه ووجه خفيّ ويشهد بكلمات متوترة من هول "النقزة" أنّه رأى صواريخ تتطاير في أرجاء المكان.

- دويّ صوت في الضاحية وشهود يؤكدون أن مصدره مخزن للسلاح "غير الشرعي" وأخبار مفبر كة عن دعوات من أهالي المنطقة إلى المجتمع الدولي بالتدخّل سريعًا وانقاذهم. هنا ينهض فارس سعيد عند الفجر متحمّسًا ليتّهم الاحتلال الإيراني بتفجير أمن اللبنانيين الآمنين، وإن حاول أحد توضيح ماهية الانفجار بالصورة وبالأدلة، سيجد الفوارس السعيدون حتمًا طريقة يتهمون فيها ايران بالتسبب بانفجار القارورة.

- صنف ثالث من معبّري الأوهام من ذوي الملامح والمنطق الذي يذكّر بكهنة معبد آمون كما صوّرهم مسلسل "يوسف الصدّيق (ع)"، سيحضر على عجل لإضفاء بعض الإثارة والتشويق على الخبر: يدسّ في كلماته تلميحات عن اغتيال أو استهداف لاسم وهمي يوحي بانتسابه إلى حزب الله، ويحضر صورًا وسيرة حياة وتفاصيل من بنات خياله ويضعها أمام الرأي العام متهمًا حزب الله بالتكتّم على الخبر.

- الرابع يصمت طيلة الليل مجتهدًا في تركيب سيناريو خلاف وقع بين مجموعة أشخاص وبين أفراد من حزب الله تطوّر إلى معركة شوارع جرى فيها استخدام الأسلحة الخفيفة و"قناني الغاز". وحين يندهش الناس في المنطقة من حجم الكذبة، يتهمهم جميعًا بالتكتّم أو يقول أنّهم لا يجرؤون على البوح بما حدث أمامهم خوفًا من التهديد. وقد تتطوّر حالته الى حدّ ادّعاء تلقيه تهديدات تمس أمنه ويطالب بدوره الأمم المتحدة بتأمين حمايته.

- الأجمل من كلّ هؤلاء وأكثرهم ابداعًا هو ذلك الذي سيقرّ بأن الانفجار ناتج عن قارورة غاز لكنّه يرفق الحقيقة التي أقرّ بها بسيل من الهلوسات والتخيّلات التي تساعده على استثمار الحدث! كأن يقول مثلًا إن حزب الله فرض على السكان اقتناء قوارير غاز متهالكة وهدّدهم بعدم شراء أي قارورة صالحة للاستخدام الآمن. ثم يجهش بالبكاء تحصيلًا للمزيد من المصداقية.

وبعدها ينتشر بشكل مشبوه تسجيل صوتي بصوت متقطّع تبدو عليه آثار "الوهلة" وهو يخبر أحدهم عن هول ما رأى وقد يتحمّس فيحكي عن ضحايا تنتشر جثثهم ونساء تولول ورجال تضرب كفّا بكفّ. وإذا ما استفاض قد نسمعه يروي كيف رأى إنزالًا تنفذه فرفة كوموندس على سطح الأبنية وبالعلامة قال أحد أفراد القوّة: خوش آمديد.

وختامًا، لن تترك النسويّات فرصة كهذه، فتخرج جمعية منهنّ لتخبر أن دويّ الصوت كان بسبب خلاف زوجيّ تطوّر إلى تعنيف للزوجة وتضمّن ربطها بقارورة غاز وتم تفحيرها عن بعد، ويلي ذلك حفلة "ردح" وتطاول على البيئة الشيعية ككلّ واتهام رجالها أجمعين بممارسة العنف الزوجي ونسائها كلّهن بالخضوع للمجتمع الذكوري. يترافق ذلك مع دعوات لتشريع المساكنة والسماح بالإجهاض مثلًا.

كلّ ما ورد أعلاه، مهما بدا سخيفًا، هو في الواقع نسخ لقليل مما قيل في كلّ مرة وقع فيها حادث عرضي في الضاحية. ليس خيالًا بقدر ما هو نمط اعلامي يستثمر في كلّ ما قد يحدث داخل بيئة المقاومة وأماكن تواجدها. المكتوب أعلاه، رغم سطحيّته وسهولة انكشافه كُتب في كلّ مرّة انفجرت فيه قارورة غاز أو إطار شاحنة وفي كلّ مرة شبّ فيها حريق أو تعطلّت آلية سير فأقفلت الطريق.

هذا قليل جدا مما يرد في اعلامهم القائم على التضليل المقترن بأجنداتهم المشبوهة. بالأمس انفجرت قارورة غاز في عين الرمانة، أو هذا ما قيل، ولم نرَ أحدًا يحاول إضافة الاتهامات والشبهات والتحليلات الركيكة ليس لشيء سوى أن لا داعي للاستثمار، ما دام الحدث ليس في الضاحية!

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف