نقاط على الحروف
"الرأي العام" صيد ثمين.. فهل من يقيس؟
ميساء مقدم
"الرأي العام"، كلمة مفتاحية تبدو كسمكة نادرة في مساحة مائيّة تتنافس للفوز بها صنانير الصيادين، فهو هدف يتسابق أهل السياسة والاعلام لكسب رضاه والنطق باسمه يمينًا وشمالًا. يقال إن "الرأي العام يطالب بكذا وكذا"، و"الرأي العام يرفض كذا وكذا"، و"احترامًا للرأي العام يجب.."، فما هو الرأي العام بالمفهوم العلمي؟ وكيف يمكن قياسه وادعاء الاستحصال على تأييده لقضية ما أو رفضه لها؟
في واحد من أكثر التعريفات شموليّة، يقول د. مختار التهامي في كتابه "الرأي العام والحرب النفسية" إن "الرأي العام هو الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية في فترة معينة إزاء قضية معينة أو أكثر يحتدم حولها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الانسانية بصورة مباشرة".
وفق هذا التعريف، يتطلب الحديث عن "رأي عام" عناصر هامة أبرزها:
- الشعب: وهو المستهدف الرئيسي من عمليات صياغة وتشكيل وصناعة الرأي العام.
- القضية: هي المادة أو الحدث أو الموضوع أو الاشكالية أو الفكرة التي ينبغي أن يتشكل الرأي حولها.
- الجدل: أن تكون القضية محور نقاش وانقسام بالآراء بين مؤيّد ورافض أو محايد.
- المس بالمصلحة أو القيمة الانسانية: أن تكون الجماعات التي يتشكل الرأي العام من خلالها معنيّة بالقضية، كأن تؤثّر القضية بمصالحها المباشرة ضمن اطارها الجغرافي أو الاقتصادي أو الأمني أو الانساني.
- الأغلبية: يتطلب الحديث عن رأي عام شرط احراز الأغلبية فيه، أي أن تؤيد غالبية في جماعة ما في زمن معيّن قضية محددة، أو أن ترفضها. ولتحديد هذه الغالبية، لا بد من اتباع الأساليب المنهجية لقياس الرأي العام.
لقياس الرأي العام، أجمعت الأبحاث على 3 طرق:
- الاستقصاء: يتم من خلال استمارات الاستبيان أو الاستقصاء وتشتمل على مجموعة من الأسئلة، الموجّهة لعيّنة مدروسة، حيال القضية التي يتم دراسة الرأي حولها.
- المسح: بتطلب مُلاحِظًا أو باحثًا ميدانيًّا يسجّل انفعالات الناس حيال قضية معينة، أو يقوم باجراء المقابلات بطرح الأسئلة على العيّنة المحددة.
- تحليل المضمون: يعتبر هذا المنهج من أحدث وسائل دراسة الرأي العام واتجاهاته عن طريق تصنيف البيانات وتبويبها وتحليلها من الناحية الكمية والكيفية والموضوعية. وبما أن احد أهم أدوار وسائل الاعلام تقديم المساعدة للجمهور لفهم وتفسير الأحداث أو القضايا، ووضع القضايا التي تحظى باهتمام ومتابعة الجمهور ضمن أطر اخبارية، فإن تحليل مضمون المواد الاعلامية بات أحد أدق طرق قياس الرأي العام.
انطلاقًا مما سبق، يتبيّن أنه
إن جلّ ما نشهده على الساحة الاعلامية والسياسية اللبنانية من أحكام تطلق على الرأي العام ومحاولات للنطق باسمه تحت عناوين شتى، لا تتعدى "البازار السياسي" أو الترويج الدعائي الكاذب، ذلك أنّ أحدًا لم يكلف نفسه القيام بمسوح الرأي العام للاطلاع على آرائه وتطلعاته في القضايا المهمة، وهذه معضلة لبنانية مميزة ترتبط بصعوبة الحصول على البيانات وجمعها واحصائها، والاحصاءات الرسمية محظورة لارتباطها في هذا البلد بـ "عقدة الأعداد" التي تخاف المرجعيات السياسية الخوض فيها.
لو أخذنا مثلًا قضية الكهرباء التي تمس مصالح كل المقيمين على الأراضي اللبنانية فضلًا عن الشعب اللبناني، هل هناك من حاول تقصي نظرة الرأي العام لهذه الأزمة وكيفية حلها؟
في احد تصريحاته الأخيرة يقول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إنه تجنب قبول الهبة الايرانية التي تؤمن 8 ساعات على الأقل من الكهرباء يوميًا، حرصًا على مصلحة الشعب اللبناني. فهل استطلعت جهات رسمية رأي الشعب اللبناني المتضرر الأول من انقطاع هذا المورد الرئيسي حول الحلول التي يقبلها أو يرفضها؟ هل سُئل اللبنانيون ما اذا كانوا يفضلون انتظار الوعود الأميركية الوهمية منذ أكثر من عام بوصول الكهرباء الأردنية أو التجاوب مع العرض الايراني الفوري والجاهز؟
طبعًا لم تبادر جهة رسمية الى رصد التوجه الشعبي حيال هكذا قضية، بل ما شهدناه على هذا الصعيد في بعض القضايا المماثلة هو محاولات من مؤسسات مستقلة غير رسمية كـ"الدولية للمعلومات"، التي أجرت في آب/ أغسطس 2021 استطلاعًا للرأي حول "قرار حزب الله استيراد البنزين والمازوت من إيران" ليتبين أن 60% يؤيدون، 22% يعارضون، 65% سيقدمون على شراء البنزين/المازوت الإيراني بالتأكيد في حال وصوله، وهذا ما تُرجم لاحقًا من خلال الاقبال ــ العابر للطوائف والانقسامات السياسية والمناطقية ــ على شراء المازوت الايراني في حينه.
في لبنان يكثر الحديث حتى الثمالة عن الناس وباسمهم، لكن أحدًا لا يلتفت إلى استطلاع آرائهم وتوجهاتهم الحقيقية، وهنا فجوة لا بد من ترميمها كخطوة متواضعة، حتى لا يبقى حال اللبنانيين وفق ما يقول سامي حواط:
"حضرتنا من الرأي العام
صوت اللي ما إلهم صوت
كيف حالك .. والله تمام
عايش من قلة الموت
حضرتنا من الرأي العام
حضرتنا الأكترية
تسعة وتسعين بالمية
طرحنا من المية واحد
والواحد وحده قاعد
قاعد ع الراس وقدام
حضرتنا من الرأي العام".
الإعلام والاتصالوسائل الإعلامحرية الرأي
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
09/11/2024
أمستردام وتتويج سقوط "الهسبرة" الصهيونية
08/11/2024
عقدة "بيت العنكبوت" تطارد نتنياهو
07/11/2024