معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مصر: المقاومة الثقافية ترفض التطبيع وتحاكم دعاته ‎‎
25/11/2022

مصر: المقاومة الثقافية ترفض التطبيع وتحاكم دعاته ‎‎

يونس عودة

في مصر، خطوات واعدة في جديتها ضد التطبيع مع الكيان المؤقت، تمثلت هذه المرة، في قيام اتحاد كتاب مصر بإجراءات لا تزال تحت المجهر لطرد 3 افراد من صفوفه وهم الكاتب يوسف زيدان، والروائي علاء الأسواني، والكاتبة منى برنس، وهؤلاء، تمت إحالتهم إلى التحقيق بتهمة التطبيع مع "إسرائيل"، وأنه سيتم فصلهم حال ثبوت ذلك، باعتبار التطبيع من المحرمات، وكي لا يكون أولئك كحصان طروادة في الاتحاد الذي طالما كانت مواقفه الى جانب القضية الفلسطينية، بغض النظر عن الاتفاقية المشؤومة، والتي كانت اول طعنة في الصدر الفلسطيني والعربي والإسلامي، والمسماة اتفاقية "كمب ديفيد" وصاحبة الرعاية الاميركية.

هذه الخطوات ليست الأولى من نوعها التي تعبر عنها شرائح مهمة وفاعلة لدى الرأي العام، وفي الحفاظ على تكوينه الرافض لكل أشكال التطبيع مع الكيان الذي يحتل أرض فلسطين، وقد أظهرت دراسة ميدانية حديثه أجراها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" على عينة عشوائية طبقية ممثلة للمجتمع المصري، أظهرت أن 86 % من المصريين يرون أن الكيان المحتل هو العدو الدائم، مقابل 4 % لا يرونه عدوًّا، و5 % يرونه عدواً مؤقتاً و5 % ليس لهم رأي محدد. وعن مدى قبول الدعوات التي تم الترويج لها بخصوص التطبيع الشعبي مع "إسرائيل" على غرار ما حدث في الإمارات، أظهرت الدراسة رفض 91 % من المصريين التطبيع الشعبي مع "الإسرائيليين"، مقابل موافقة 5 % على التطبيع وعدم قدرة 4 % على تحديد موقف.

الموقف من التطبيع في مصر يتعاظم مقارنة بما يحصل في دول خليجية اذعنت لاتفاقات "ابراهام" الأميركية على الرغم من مرور 43 عاما على اتفاقية كمب ديفيد، ووجود علاقات قوية، لكنها تنحصر في القيادة السياسية والدائرة الضيقة المحيطة بها، ولم يظهر لها امتداد في مؤسسات الدولة الصانعة للقرار. وهنا تجدر الإشارة الى أن العقيدة القتالية للقوات المسلحة لا تزال تصنف "إسرائيل" انها العدو الرئيسي، وما زالت أدبيات التدريب داخل القوات المسلحة والتي تدرس للضباط والجنود تعتمد الكيان الصهيوني كعدو والحرب معه في المستقبل حتمية مؤجلة.

طبعا من المبكر الحكم الجذري، إلى أي مدى وأي خطوات يمكن ان تتفاعل في مصر في ظل ما يجري في العالم من تموضعات في اطار العالم الجديد الذي لا يزال في حالة مخاض، الا ان التجارة، تكون عادة مؤشرا يركن اليه، وبنسبة معقولة، وفي هذا السياق لفت الإعلام العبري إلى أن حجم التبادل التجاري بين "إسرائيل" ومصر هو مبلغ صغير نسبيا بحيث لم يصل الى 100 مليون دولار سنويا، وذلك بعد 43 سنة من توقيع اتفاقية كمب ديفيد، بينما بعد حوالي عام ونصف فقط من توقيع الاتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي عُشر سكان مصر، وصل حجم التجارة بينها وبين إسرائيل إلى ما يقرب من 1.5 مليار دولار.

يبدو ان صناع القرار في الكيان يدركون اكثر من غيرهم، ان الاتفاقات مع السلطات في أي بلد، لا يمكن ان يهضم الشعب سمومها، ولا سيما الشريحة المثقفة، والمنتجة للثقافة الوطنية المستمدة من التاريخ والحضارة، بغض النظر عن مدى ما يرسم في كواليس المصالح السياسية ولذلك فان قادة الاحتلال يعملون على استفزاز السلطات وفي الوقت نفسه يعملون على زرع اسافين بين السلطات والشعب، وفي هذا السياق شنت وسائل إعلام صهيونية هجوما حادا على السلطات المصرية بسبب ما اسمته تعنت أجهزة الأمن المصرية في سفر المواطنين المصريين إلى الكيان.

ويكتب الإعلام الصهيوني عن أن مصر تمنع عمليا مواطنيها من زيارة "إسرائيل" على الرغم من وجود معاهدة "كامب ديفيد للسلام "، متهمة السلطات المصرية بوضع صعوبات وعراقيل جمة على المواطنين الراغبين في زيارة الكيان، بطريقة تجعل عملية السفر مستحيلة، رغم إدراك الموجه لذلك الإعلام ان الغالبية العظمى من المصريين تتوق الى المواجهة مع المحتل وزيارة فلسطين محررة. وكذلك فان أجهزة الامن المصرية تعلمت دروساً بان الاحتلال لا يقيم وزنا للاتفاقات، ويعمد الى تجنيد أي مصري، وبأي وسيلة، وقد نقلت القناة السابعة الإسرائيلية حول منع القاهرة لمواطنيها من زيارة تل أبيب، عن مسؤول إسرائيلي لم تكشف القناة عن اسمه كلاما منسوبا لمصري لم تسمه أيضا ان "المواطن المصري الذي يرغب في زيارة "إسرائيل" يجب أن يقدم سببًا للزيارة وحتى في هذه الحالة فليس من المؤكد على الإطلاق أن تتم الموافقة على أذن السفر، وحتى لو حصل عليه يقال له إنه سيضع نفسه على قائمة المراقبة الخاصة بأجهزة الأمن المصرية".

لقد عبر الاعلام العبري عما يجري في كواليس المنظومة الصهيونية، الذي يعتبر ان حظر السفر إلى "إسرائيل" على العلاقات بين الدولتين وعلى نطاق النشاط الاقتصادي، وفي السياق قالت القناة السابعة الإسرائيلية: "يتجلى "السلام البارد" مع مصر بطرق أخرى، حيث إن الإسرائيليين الذين يرغبون في دخول شبه جزيرة سيناء بمركباتهم يعانون من المضايقات عند المعبر الحدودي، ولا يسمح المراقبون المصريون عند المعبر بدخول الكاميرات الموصولة بالمركبة بما في ذلك الكاميرات العكسية القياسية - على أساس أنها "قد تستخدم للتجسس" - وفي ضوء ذلك، يقومون بتفكيك الكاميرات على الفور، بشكل يتسبب في أضرار قد تصل إلى آلاف الشواكل.

وقبل ان يتبدد التقرير الإسرائيلي قامت السلطات المصرية بطرد 11 طيارا "إسرائيليا" من الأراضي المصرية في مسألة لا تزال غامضة الأسباب والاهداف الا ان قناة عبرية بررت طرد الطيارين "لأنهم وصلوا دون تأشيرات دخول، وأنه لم يكن لديهم وقود كاف للعودة"، وقالت ان وزارة الخارجية تعمل على فحص الأمر، عقب الإجراء المصري.

بلا شك يتمنى المصريون بغالبيتهم، ان تكون الإجراءات الرسمية اكثر تصاعدا وحزما، للتعبير عن جوهر الشعب المصري الرافض للتطبيع مع الكيان الذي يحاول ان يتسلل من نوافذ مختلفة، وعبر أساليب متعددة كمؤسسة "كلوز آب" التي تعنى بالإنتاج السينمائي، ما جعل الوسط الفني المصري بحالة اقرب الى الاستنفار والاستنهاض رفضا للتطبيع منذ 3 اشهر عندما حاولت المؤسسة المذكورة إقامة ورش عمل لإتاحة فرص إنتاج مشترك للأفلام التسجيلية بين مخرجين من البلاد العربية ودول أخرى، والى جانبهم مخرجون من الكيان الصهيوني، وهو ما اعتبره الفنانون المصريون "محاولة جديدة لغرز الكيان الصهيوني داخل المشهد الثقافي والسينمائي لمنطقتنا". واعتبر أن المؤسسة تستهدف تطبيع العلاقات الثقافية بين الفنانين العرب والإسرائيليين على غرار مؤسسة "غرين هاوس" الإسرائيلية التي توقف نشاطها عام 2017 بعدما فشلت في اجتذاب كثير من الفنانين العرب.

من الواضح ان اهم ما يركز عليه الكيان الغاصب لفلسطين هو مسح الذاكرة الثقافية بشكل أساسي، وبناء ثقافة تقبل وجوده في المحيط، وهي غير ممكنة الا اذا تمكن من هدم الصروح الوطنية الثقافية والنقابية، من اتحادات كتاب، الى السينما والمسرح والشاشة، والصحافة وهذا يبدو مستحيلا بوجود حراس حقيقيين يرفضون التطبيع ويقاومونه ببأس شديد، كما انه وامام الدروس والعبر منذ اتفاقية كامب ديفيد، ان الهدف المركزي من كل الاتفاقيات تدمير النسيج الاجتماعي، وفي السياق يندرج الأمني والعسكري، والا ان التدمير الثقافي هو قلب المركز، بينما الساسة الموصوفون بـ "الكنوز الثمينة" للاحتلال سرعان ما يتركهم الاحتلال على قارعة مصيرهم

اتحاد الكتاب مصر

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف