معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

زينب عصام.. ليست آخر ضحايا الإجرام الأميركي
22/09/2022

زينب عصام.. ليست آخر ضحايا الإجرام الأميركي

بغداد - عادل الجبوري

زينب عصام. فتاة عراقية تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا، تسكن مع عائلتها في بيت ريفي بقرية البو علوان بقضاء أبو غريب، غربي العاصمة بغداد، وكانت قد خرجت من بيتها في الصباح الباكر ليوم العشرين من شهر ايلول/ سبتمبر الجاري لتساعد أهلها في اعمال الزراعة، لكن رصاصة طائشة أردتها صريعة مضرجة بدمائها بلا أي ذنب. وهذه الرصاصة الطائشة التي اخترقت جسد زينب انطلقت من معسكر قريب، تستخدمه القوات الأميركية كميدان للتدريب والرمي.

بعبارة أخرى، زينب عصام مثلت ضحية أخرى من قائمة طويلة جدًا لضحايا الاحتلال الأميركي للعراق على امتداد ما يزيد على التسعة عشر عامًا.     

هذه الجريمة المروعة، سواء حصلت عن قصد أو من دون قصد، فإنها تؤشر الى جملة حقائق لا ينبغي بأي حال من الأحوال التغاضي عنها والقفز عليها. ومن بين تلك الحقائق:

ـ أن الوجود العسكري الأميركي في العراق، أيًا كانت اشكاله ومظاهره وأحجامه ومبرراته وحججه، يعد عامل قلق واضطراب، ناهيك عن كونه يمثل اخلالًا بالسيادة الوطنية.

ـ أن الكثير من الوقائع والشواهد على مدى عقد من الزمن، أثبتت أن الأميركي لا يهتم، ولو بالحد الأدنى، بأرواح الناس بقدر ما يهتم بتأمين حياته ومصالح بلاده. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم ولن تغيب مشاهد مجزرة ساحة النسور التي ارتكبتها شركة "بلاك ووتر" الامنية الاميركية في مثل هذه الايام من العام 2007، وكذلك جرائم التعذيب التي قامت بها القوات الاميركية ضد مئات المعتقلين في سجن ابو غريب عام 2004، وغيرها الكثير الكثير.

ـ لا يمكن لمشاكل وأزمات العراق السياسية والأمنية والاقتصادية أن تنتهي ما لم يتم اخراج آخر جندي اميركي من الأراضي العراقية، لا أن تبقى القواعد العسكرية في بغداد والموصل واربيل وصلاح الدين وكركوك والانبار مزدحمة بالآف الجنود الأميركيين بكل أسلحتهم وعدتهم، وما لم يتم جعل السفارة الأميركية في العراق بعثة دبلوماسية حقيقية، لا قاعدة عسكرية ووكرًا مخابراتيًا للتآمر والتجسس.

ـ إن غياب الموقف الوطني الموحد لمختلف القوى والتيارات السياسية والمجتمعية العراقية حيال الوجود الاميركي في البلاد، أتاح لواشنطن التمادي كثيرًا في تعاطيها السلبي، رغم أنها واجهت مقاومة شجاعة وشرسة في كل الأوقات، اذ لا يخفى أن هناك أطرافًا سياسية، ما زالت حتى الآن تدافع عن ـ وتؤيد ـ استمرار الوجود الاميركي خلافًا لتوجهات الرأي العام العراقي وقواه السياسية والدينية والمجتمعية المنادية بضرورة طي صفحة اميركا في العراق الى الأبد.

ومع أن الكثير من الأصوات ارتفعت، مطالبة بالكشف الكامل عن ملابسات مقتل زينب عصام، وبقيام الحكومة عبر أجهزتها المختصة والمعنية باتخاذ كل الاجراءات المناسبة لحفظ الدم العراقي، إلا أن مستوى ردود الافعال ازاء جريمة أبو غريب الأخيرة، لم تكن بالمستوى المطلوب، لا على الصعيد السياسي ولا الاعلامي ولا الشعبي ـ الجماهيري.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن عموم الاعلام العربي والاجنبي ـ الغربي، في أفضل الأحوال، مرّ مرور الكرام على مقتل زينب بنت الخمسة عشر ربيعًا، في منهج فاضح للغاية بإخضاع القضايا الانسانية للحسابات والاجندات السياسية، وإلا لماذا تنشغل منظومات الاعلام الغربي ومعها أغلب منظومات الاعلام العربي بحادثة وفاة الفتاة الايرانية مهسا اميني، والتي لم تتضح كل ظروف وملابسات وفاتها، بينما لم تحظَ وفاة العراقية زينب عصام التي كان واضحا منذ البداية ظروف وأسباب مصرعها، ومن يقف وراء ذلك، ولو بجزء صغير من الاهتمام الحقيقي؟

وهكذا بالنسبة للكثير من القضايا التي يتم تسليط الاضواء والتركيز عليها حينما تحدث ببلد معين لا تربطه علاقات طيبة مع الولايات المتحدة الاميركية والقوى الدولية والاقليمية الدائرة في فلكها، في حين يصار الى غض النظر عنها تماما حين تحصل في أي من الاخيرة، وما الجرائم الدموية المتواصلة للكيان الصهيوني ضد ابناء الشعب الفلسطيني الا مثال صارخ على ذلك.

لن تكون زينب عصام الضحية الأخيرة للعنهجية والاستخفاف الاميركي، وهي قطرة في بحر الجرائم والمجازر الاميركية ـ الغربية ـ الصهيونية في العراق وفلسطين وسوريا واليمن وغيرها من شعوب الارض.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف