معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الحشود المهدوية: العشق وجهٌ حضاريّ وروح تقاتل‎‎
04/07/2022

الحشود المهدوية: العشق وجهٌ حضاريّ وروح تقاتل‎‎

ليلى عماشا

 

الحدث، أنشودة عشق تلقي السلام على المنتظَر وتسكبُ السلام في أرواح المنتظرين، مشهدٌ يوثّق حركية الأمل والإنتظار وهي تنسكب شمسًا من يقين عابر لكلّ الحدود، جمعٌ مهدويّ معتقدٌ موقنٌ معتزٌّ ومقاتل..

 

الحدث العالميّ هذا، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، كان محلّ دهشة بائسة وخائبة لدى صنّاع الحرب الناعمة، إذ كشف عن مدى متانة وحصانة الروحية التي صُنعت تلك الحرب لاختراقها وتفتيتها.. أما في لبنان، فالصدى المتشكّل من بؤس وخيبة من دُهشوا تمحور حول الهويّة اللبنانية، وصيحات متعديّة على كلّ أشكال احترام الآخر، ولو بالظاهر فقط، ومناسبة هجوم سياسي ذي مستوى هابط وركيك.

قبل الدخول في دبلجة الصدى التفجّعي اللبنانيّ حول المشهد، يمكن اختصار الحدث بكلمات قليلة: هذا الحشد المنتظر المنظّم الملهوف هو حشدٌ مقاتل. ويتألف من مختلف فئات وطبقات المجتمع، من كل الأعمار، من كلّ درجات الإلتزام الديني.. هو حشد يتألّف من شهداء منتظرين، ومن أبناء وبنات وأخوة وأخوات وأقارب وجيران وزملاء شهداء مضوا، من أباء لا يتأخرون عن مباركة التحاق أبنائهم بالجبهات وعن تقبّل التهاني المجرّحة بالفقد إن عاد الغوالي مستشهدين، من أمهات ربّين ويربّين أبناءهنّ على حبّ آل البيت، وعلى الثورة، وعلى ثقافة الإنتظار والتمهيد..

ولهذا، استفزّ الحشد العاشق كلّ أدعياء الهويّة المجهولة الملامح والسمات، وكل جهّال الثقافات الراسخة في صخر البلاد، وكل ببغاوات الإعلام ومتسولّي الإعجاب السعودي على منصّات التواصل. استفزّهم جمال المشهد ما دفعهم إلى إظهار قبحهم كلّه نكايةً بثقافة الحبّ التي أنتجت وكرّست وعزّزت ثقافة المقاومة.

صحيح أنّ بعضًا من الأصداء المعترضة على حشد "سلام يا مهدي" تضمّنت مغالطات وتعديّات على حرية المعتقد، بل وذهبت حدّ اتهام المشاركين بكونهم يؤدون طقسًا إيرانيًا، متجاهلين تمامًا أنّ الشقّ العقائدي المعبّر عنه في الأنشودة يمثل أكبر كتلة ديموغرافية في البلد، وهي كتلة لها جذورها التاريخية الحقيقية والتي تمتد في الزمان أبعد بكثير من أصحاب الإنتماءات المشوّهة بتسعيرات السفارات على رفوف السيادة المسلّعة.. وهي أيضًا كتلة روَت على مرّ السنين التراب بدم أبنائها، وبعرق عمالها وفلاحيها، وبتعب فقرائها، وبسعي أفرادها إلى تحقيق تكاملهم الإنساني والقيميّ على مختلف المستويات.

ولعلّ مشهد أصابع طفلة على حافة الصّبا وهي تمسك بأطراف قميصها التزامًا بالسّتر الذي بدوره يرتبط بسلّم قيميّ متكامل ويعبّر عنه، كان مشهدًا استدعى الكثير من دمع العزّ في عيون أهل الحبّ والقيم، والكثير من العجز عن الفهم لدى أهل الخيبة وانعدام القيمة الإنسانية.

في الواقع، مشكلة من تداعوا إلى الصياح التهويلي التضليلي ليست في أداء هذا الجمع أنشودة ذات بعد دينيّ عقائديّ، فلو كان أصحاب هذا النهج ممّن هادنوا أميركا لوجدت كلّ إعلاميي السفارات يتنافسون في الإضاءة على جمالية المشهد المنظّم والمؤثر. مشكلة هؤلاء هي في ارتباط هذه العقيدة الوثيق بالنهج الثوري المعادي لأميركا. وهنا بيت القصيد. هنا أصل صراخ أهل الهويّة المهجّنة الساعية إلى ختم الرضا في عوكر وما تمثّل. فالهويّة التي عبّر عنها جمع العشاق في "سلام يا مهدي" هي هويّة مقاتلة، واضحة، راسخة، تعادي الأميركي وكلّ أذرعه، تقاتل كلّ أشكال هيمنته ووحشيته، تهزم كلّ أدواته وأذنابه، من الصهاينة إلى التكفيريين، وما بينهما، سواء ظهر أم استتر.

سارع هؤلاء إلى تغريب هذا الجمع عبر تضليل مَن لا يعلمون ماهية الإنتظار والتمهيد ومعنى حضور الإمام المهدي (عج) في حياة وحركة الشيعة حول العالم. ولما ظهرت بلاهتهم بشكل فاضح، مضوا إلى تكتيك التعدّي على حريّة المعتقد، متحدثين تارّة عن غسيل دماغ يتعرّض له أطفالنا، فقط لأننا نربيهم على قيم هي إنسانية وأخلاقية وعقائدية وسياسية، إذا لا يمكن تفكيك القيم وإلّا فقدت دلالاتها وجدواها، وطورًا عن الحجاب الذي صار شغلهم الشاغل والمهدّد الأوّل لثقافتهم الباحثة عمّا يرضي الغرب، ولو كان التخلّي عن الفطرة الإنسانية والإنصياع لكلّ ما يصنّفه هذا الغرب تحضّرًا.
وليس عجيبًا أن ينتقد هؤلاء حجاب بناتنا وهم من ثاروا وتفجّعوا على "وجه لبنان الحضاري" حين تقدّمت متطوّعات من الهيئة الصحية الإسلامية - حزب الله صفوف مواجهة وباء كورونا وتبرعن بجهدهن ووقتهن لاستقبال المسافرين إلى مطار بيروت.

تتلازم شعارات التباكي على وجه لبنان الحضاري مع شعارات التبرؤ من الفخر المنجز بالدم وكلّ ما ومن يمثّل هذا الفخر، حجاب أو أنشودة أو مناسبة أو ذكر شهيد.. والتسويق لمنتجات هذا التلازم يقوم به أفراد معروفون بارتباطاتهم السفاراتية الوظيفية أو من الساعين لتقديم أوراق اعتماد في السفارات عسى يصبحون على ارتباط يحقّق ايرادات مادية أو معنوية، أو يقوم به أفراد وجماعات لدوافع وجودية، إذ ترتبط غاية وجودهم وحركتهم بالتبعية للغرب وبالتالي يصبحون حاقدين على كلّ ما يعادي تبعيّتهم تلك أو يكشف بسيادته الممهورة بالدم وجه انبطاحهم التاريخي المذلّ..

ردّ الفعل على "سلام يا مهدي" في الوسط اللبناني المتأمرك غير مفاجئ، ويأتي في سياق معادٍ واضح لكلّ ما يمت إلى أهل المقاومة بصلة، هو إذًا ردّ فعل المهزوم بهزيمة مشغلّه، والخائب بخيبة صنّاعه، والبائس ببؤس محرّكيه.. أمّا حديثه عن الهويّة فحديث متكرّر فارغ، فلا هويّة أصلًا للمنصاعين المتخلّين عن أبسط معايير الكرامة الوطنية، ولا هويّة لمن باع نفسه في سوق نخاسة السياسة، ولا هويّة للممتلئين حقدًا وكراهية، وإن سمّوا انصياعهم وتخليهم وعبوديتهم وحقدهم وجهًا حضاريًا يخشون عليه انكشاف تشوّهاته في كلّ مرّة يظهر فيه وجه المقاومة في لبنان.

 

المسلمونالإسلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل