معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

قرار البيت الأبيض يقابله قرار المقاومة
04/07/2022

قرار البيت الأبيض يقابله قرار المقاومة

ايهاب زكي

أخيراً جاءت لحظة الحقيقة، حين أطلق حزب الله ثلاث مسيّرات مختلفة الأحجام فوق حقل كاريش، والذي وصفه في بيانه بالمتنازع عليه، في الوقت الذي يدّعي الكيان المؤقت أنّه في مياهه الخالصة، وهذه الحقيقة تعني أنّ كاريش، سيظل متنازعاً عليه في عرف الحزب، حتى يبدأ لبنان بالتنقيب واستخراج ثرواته والاستفادة منها. والحقيقة أيضاً تعني أنّ خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة  السيد نصر الله انتقل من مرحلة حق اليقين إلى مرحلة عين اليقين، حيث رأى العالم مسيّرات حزب الله تحلق فوق الحقل، وهو ما وعد به السيد كخطوةٍ أولى واستكشافية في مسارٍ طويلٍ ومضنٍ للحفاظ على ثروات لبنان وحقوقه.

بهذه الخطوة رمى حزب الله كرة اللهب في وجه الكيان، حيث تنحصر خياراته في ردها أو إطفائها، وهنا إطفاؤها يعني الاكتفاء بما حدث من إسقاطها، ولكن هذا يرتّب على الكيان مسؤولية الاستمرار في العمل لاستخراج الغاز من كاريش في المواعيد المحددة، أمّا ردّها يعني أن يقوم الكيان باستهداف مواقع إطلاق المسيّرات، أو مخازنها على الأراضي اللبنانية، أمّا الاكتفاء بإسقاط المسيّرات مع وقف العمل في كاريش، فهذا يعني هزيمة أخرى للكيان في المنازلة الطويلة والمفتوحة.

كما سيُرتب على المبعوث الأمريكي اتخاذ القرار بأحد أمرين، إمّا الحصول على تنازلات من الكيان لصالح لبنان، وإمّا العمل على تحويل سرقة الكيان للثروات لبنان إلى أزمةٍ لبنانية داخلية، من خلال الإيعاز للأداوت الداخلية باستهداف حزب الله، حيث لم يعد المبعوث الأمريكي بعد المسيّرات يمتلك ترف الوقت في سبيل استخدام سياسة التسويف، فيما يقوم الكيان باستغلال الحقل والمنطقة المتنازع عليها.

يقول رئيس الموساد السابق "تامير باردو"إن "إسرائيل" فعَّلت آليات التدمير الذاتي، في ظل حالة الاستقطاب الداخلي، والانقسامات والصراعات، وتصاعد التطرف الديني"، وهذا بالضبط ما يلاحظه محور القدس، حيث يصبح تأجيل الحرب الأخيرة، هدفاً استراتيجياً بحدّ ذاته، لأنّ التأجيل في ظلّ هذا التآكل بفعل تفعيل عداد التدمير الذاتي يقلل الخسائر العربية للحدّ الأدنى كثمنٍ لإزالة الكيان من الوجود.

ولكن استراتيجية التأجيل، لا تعني بالمطلق ترك الطريق مفتوحاً لتجاوزات الكيان وعدوانيته، حيث أنّ هناك من الاعتداءات ما لا يجدي معها التأجيل أو التصبر، والتجاوز على حقوق لبنان البحرية، أحد هذه التجاوزات غير القابلة للتصبر، حيث ساواها حزب الله من خلال خطاب أمينه العام بالمغامرة بمصير الكيان ووجوده في حال إصرار الكيان على الاستمرار فيها والتعامي عن كل المخاطر المحيطة ببقائه، وهنا تتراجع استراتيجية التأجيل لصالح تكتيك الاقتلاع المؤبد.

وهنا يساورك السؤال عن الفائدة التي سيجنيها الكيان المؤقت، من حمّى التطبيع وسُعار التطبيعيين، غير الاستثمار في رذالاتهم وريالاتهم، رذالات الانفضاح الإعلامي، وريالات شراء منظومات الكيان الدفاعية، وسؤالٌ آخر مرادف، عن الفائدة التي سيجنيها المطبعون، سوى السُّبة التاريخية  وعار الأبد.

حتى العبودية للسيادة الأمريكية لم تعد مقنعة في تبرير هذا التطبيع الأعمى، لأنّ العبيد سيترددون في اللجوء إلى سفينةٍ غارقة للاحتماء بها، لكنه استدراج القدر، حيث تستدرجك الأقدار للمكان الذي يتربصك به الموت، وتذهب طائعاً مختاراً بل وسعيداً، وهذا الاستدراج حتى لا يبقى من يتخفى نفاقاً، ثم يقول للناس لقد كنا معكم.

وبالعودة للمسيّرات التي أرسلها حزب الله، لم تكن مسيّراتٍ مسلحة أو هجومية، كما أنّه من الواضح أنّ الحزب أرسلها ليكتشفها العدو، وهي رسالة تحذيرية ومقدمة لما بعدها، وما بعدها هذا مرهونٌ بالسلوك الذي سينتهجه العدو، وهل سيضطر لابيد للصمت وتفضيل اعتزال العمل السياسي كما فعل سلفه بينيت؟ أم سيغامر معتمداً على الرغبة الأمريكية بعدم رجوع نتن ياهو لرئاسة الحكومة؟

نتن ياهو الطامح للعودة لرئاسة الحكومة في الانتخابات المقبلة نهاية هذا العام، سيكون أداة ضغطٍ هائلة على حكومة لابيد المؤقتة، ولابيد هو مرشح بايدن لرئاسة الحكومة بعد الانتخابات، ولكن فوز لابيد يحتاج للكثير من الإنجازات، في الوقت الضيق المتبقي في عمر حكومته، وقد يكون حقل كاريش أهم تلك الإنجازات، التي يقرر بايدن منحها له، عبر منحه أضواءً خضراء لاستعراض القوة أمام لبنان، لكن دون الوصول إلى مرحلة الحرب، ولكن المعضلة في هذا الخيار، أنّ القرار لم يعد في البيت الأبيض، بل في الضاحية الجنوبية.

لذلك سأظل حتى اللحظة الأخيرة، غير مصدقٍ أنّ العدو سيرتكب حماقته مع لبنان، لأنّ هناك إدراك يقيني أنّ المستوى العسكري في الكيان يدرك تماماً أنّها أغبى المجازفات، ولسان حالهم إنّ نجاح لابيد لا يوازيه وجود الكيان، فليذهب لابيد للجحيم وليتبعه بايدن، بدل التورط في مغامرةٍ مع لبنان وحده، فكيف إن اتسعت الحرب وتعددت الجبهات؟ لذلك ليس أمام بايدن سوى إقناع لبنان بمقايضة كهرباء الأردن وغاز مصر بحقل كاريش، وتحويل حرص حزب الله على ثروات لبنان لأزمةٍ داخلية، ولكن بعد المسيّرات كما قبلها، سيكون للضاحية رأيٌ آخر.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف