معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الرقطاء السعودية والتعطيل السياسي
23/05/2022

الرقطاء السعودية والتعطيل السياسي

إيهاب زكي
ينقل أحد الكتاب السعوديين عن مسؤولٍ لبناني، رغبته بلقاء مسؤولٍ سعودي، وحين قام الكاتب بإبلاغ هذه الرغبة للمسؤول المعنيّ، قال له على الرحب، ولكن أبلغه "ألّا ميزة لأحدٍ عندي، فالسعودية على مسافةٍ واحدة من جميع اللبنانيين"، وذلك حسب قول الكاتب السعودي، والصدق طبعاً في هذه الشهادة لا يحتاج لأدلة، لأنّ الوقائع تؤكد مثلاً أنّ السعودية على مسافةٍ واحدة من حزب القوات وحزب الله، حتى أنّها على مسافةٍ واحدة من سعد الحريري وأشرف ريفي، وهذا كذبٌ لشدة وقاحته وفجاجته يبدو أقرب للكفر.

كذلك هو الكذب الذي يقترب من الكفر، حين يطلق الإعلام السعودي على حزب القوات والكتائب وأشرف ريفي وكل العاملين في سفارة البخاري، القوى السيادية، فيما حزب الله وحلفاؤه قوى التبعية، كما هو الإصرار على أنّ من يسميهم بالقوى السيادية قد فازت بالانتخابات، كخطوةٍ على طريق التخلص من الاحتلال الإيراني، والكفر بمعناه الواسع يعني الإنكار، وهنا يدفعنا الإعلام السعودي لإنكار أنّ البخاري سفير السعودية، بل سفير إيران، حيث تدخل في أدّق التفاصيل الانتخابية، كشاهدٍ حي على الاحتلال الإيراني.

إنّ السعودية ومن تسميهم بالقوى السيادية، يحاربون طواحين الهواء، لأنّهم يحاربون سنن التاريخ ونواميس الكون، حيث إنّ سنن التاريخ تقول أينما وُجد احتلال وُجدت مقاومة، ونواميس الكون أنّه أينما وُجد الخطر وُجد التحصّن وإعداد القوة قدر الاستطاعة، وطالما بقي الكيان المؤقت بقي الخطر، وبقيت الحاجة للمقاومة والتحصّن والإعداد حاجةً مصيرية، وهي الفاروق بين الحياة والموت، وليست مجرد ترفٍ سياسيٍ أو نهجٍ رغائبي.

حتى أنّ بعض الكتبة اللبنانيين في الجرائد السعودية، اعتبروا تهديدات السيد حسن نصر الله للكيان المؤقت، في حال إقدامه على سرقة الثروات اللبنانية في البحر المتوسط، اعتبروها تهديداً لحياة اللبنانيين وللبنان، كما أنّها محاولة جديدة لشرعنة السلاح، بعد فقدانه الشرعية عبر الصندوق الانتخابي، من خلال جرّ لبنان لحربٍ مدمرة جديدة، والحقيقة أنّ الكذب هنا متراكم ومركب، حيث لا تستطيع إحصاءه، رغم أنّ تفنيده يسير وبجملةٍ واحدة أشدّ تكاذباً، يسلم حزب الله سلاحه، وتأخذ "إسرائيل" ما تشاء من نفط لبنان وغازه، فلنا في السعودية أشقاء معبؤون بالنفط، ولن يبخلوا علينا.    

إنّ السعودية، وبدفعٍ أمريكيٍ صهيوني، لن تألو جهداً في تعطيل الحياة السياسية في لبنان، لأنّ التعطيل يعني الفراغ، والفراغ هو صنوّ الفوضى، والفوضى هي التربة الخصبة للتصويب على سلاح المقاومة، كما أنّها التربة الأكثر خصوبةً لمشاريع الفدرلة والتقسيم، رغم أنّ الفدرلة شعارٌ فارغ، إلى أنّها عملياً لا تخدم المشروع الصهيوني في استهداف السلاح، ويتم التلويح بها في إطار استهداف السلاح لا أكثر، لأنّ المشروع الأمريكي الصهيوني هو حشد أكبر قدرٍ ممكن من اللبنانيين ضد السلاح وليس تفتيتهم، وهذا ما جعل نتائج الانتخابات منافية لذلك المشروع، حيث حصل التفاف أكبر نحو السلاح وقدسيته.

وسيتم التعطيل بإشاعة سطوة الحزب وسلاحه، وأنّ الكدر في حياة اللبنانيين لا أسباب له، سوى إصرار الحزب على التمسك بالسلاح. وقد يذهب البعض لاعتبار الحزب والجيش اللبناني نقيضين لا جسمين متكاملين، حسب شعار "شعب جيش مقاومة"، بل شعبٌ يطالب الجيش بحمايته من المقاومة، فالاستحقاقات التي ستتالى بعد الانتخابات، بدءًا برئاسة المجلس مروراً بتكليف رئيس الحكومة ثم تشكيل الحكومة، وصولاً لاستحقاق انتخاب الرئيس، ستكون محفوفة بالعراقيل والخطر.

إنّ حزب الله يرى أنّ حكومة الوحدة الوطنية هي أفضل الطرق للاستقرار والنهوض، وتمسكه بحكومة وحدة وطنية ليس مجرد شعار مرفوع في وجه الإقصائيين، بل هي قناعة راسخة، حيث إنّ عقيدة الحزب أنّ لبنان بطبيعته وتركيبته لا يمكن أن يُحكم من طرفٍ واحد، ولكن إذا أخذنا الاستقالات التي حدثت من الحكومة بعد أحداث 17 تشرين، نستطيع الجزم أنّ الإلغائيين الذين أصبحوا معارضة لأنفسهم بين عشيةٍ وضحاها، ما كانت استقالاتهم إلّا بهدف الاستئثار بالسلطة، وهذا ما لم تمنحهم إياه صناديق الانتخاب، لذلك سيكون التعطيل هدفهم التالي، طالما لم ينالوا هدف الاستئثار الأول.

لن يعدم الإعلام السعودي الكذب لتحوير المسؤوليات عن التعطيل، حيث إنّ استراتيجية الكذب هي درة تاج الإعلام السعودي وتابعيه، وسنرى مصداق قول الشاعر الراحل مظفر النواب أينما قرأنا: "وتفننت الصحف الرقطاءُ.. تقبض من كل جهات النفط..وتكتب ما برميل النفط يشاءُ".

الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف