معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"التغيير".. شعار طاغٍ وواقع مشرذم
18/05/2022

"التغيير".. شعار طاغٍ وواقع مشرذم

علي عبادي

من الأمور التي استرعت الإنتباه في انتخابات 2022 النيابية في لبنان ترداد شعار التغيير الذي يغزو خطاب العديد من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، وصولاً الى إطلاقه على أسماء لوائح انتخابية. ولا يبدو ذلك بمحض الصدفة.

من دون شك، فإن رفع شعار التغيير يكشف عن التقاط مزاج شعبي بدأ قبل سنوات رداً على "الستاتيكو" الحاصل في العملية السياسية والذي أوصل الى نوع من الشلل الحكومي بفعل التجاذبات بين القوى المؤثرة داخلياً، وهي تجاذبات غير بعيدة عن الضغوط السياسية والمالية الخارجية، إضافة الى التنافس البَيْنيّ على الأحجام الحزبية والطائفية. وتصاعد استخدام شعار التغيير بعد احتجاجات تشرين الاول 2019 التي وفرت زخماً إعلامياً وسياسياً إنطلاقاً من الإنهيار المُرَبَّع: المالي والمصرفي والنقدي والإقتصادي. والمفارقة أن العديد من الفرقاء السياسيين إلتقطوا هذا الشعار الرائج واستخدموه في مواجهة فرقاء آخرين، وتبادل الجانبان التراشق على اعتبار أن كلاً منهم يمثل التغيير في مقابل الخصوم الذين يمثلون المنظومة الحاكمة.

وقبيل الإنتخابات النيابية، تكثفت الحملات الإعلانية والإعلامية التي تؤكد على ضرورة التغيير، وسط تلميحات ضمنية لا تخفى إلى لوائح بعينها على أنها تمثل التغيير الموعود. وفي جولة إقتراع المغتربين الأسبوع الماضي، عمد مراسلو وسائل إعلام مسيَّسة جداً الى استجواب الناخبين الخارجين من مراكز الإقتراع عما اذا كانوا صوّتوا للتغيير، مما شكّل إحراجاً لبعضهم الذين رأوا في ذلك نوعاً من التوجيه السياسي. وفي هذا أيضاً حثٌّ لبقية الناخبين على التصويت في اتجاهات معينة وعدم التصويت في اتجاهات أخرى، بناء على تراكم جهد إعلامي ممتدّ على مدى أشهر مضت فصلَ بشكل قاطع بين من هو تغييريّ ومن هو ضد التغيير.

وفي الأرقام، حملت 18 لائحة عناوين باسم "التغيير" من أصل 103 لوائح متنافسة، فيما تراجعت تسميات "ثورية" أخرى تتعلق بالسيادة واستعادة الدولة ومكافحة الفساد. وتسمّت هذه اللوائح بأسماء متنوعة: التغيير الحقيقي، فجر التغيير، ائتلاف التغيير، نحو التغيير، نحنا التغيير، نحن التغيير، معاً للتغيير، معا نحو التغيير، توحدنا للتغيير، قادرين نغيّر، ننتخب للتغيير، صوْت التغيير، إضافة الى تسميات أخرى أضافت اسم منطقة الى هذا العنوان.

وأمل الداعون للتغيير باستقطاب أكبر عدد ممكن من المصوّتين الى جانب لوائحهم إعتماداً على جاذبية الشعار، واعتمد العديد منهم على شركات تسويق ودعاية لتلميع صورتهم وشعاراتهم، إعتقاداً منهم بأن التكنولوجيا المتوفرة ووسائل التواصل الإجتماعي من شانها أن تسهم في قلب الصورة الإعلامية- السياسية لمصلحتهم. في وقت تبقى أسئلة رئيسية يطرحها الكثير من الناخبين بدون جواب حاسم:
- لماذا لم تتوحد العديد من اللوائح التي تتشارك الحلم بـ "التغيير"، هل لأسباب تنظيمية، أم لأسباب تتعلق بالتحالفات، أم لخلافات أخرى بين المسؤولين عن اللوائح؟

- كيف يمكن تحقيق التغيير في بلد وُئدت فيه أحلام التغيير منذ فحر الإستقلال بسبب تعقيد التركيبة الإجتماعية- السياسية؟

- هل التغيير مشروع واقعي واضح ومحدَّد، ولماذا لا يلتحق به الكثير من المواطنين من مختلف الشرائح والطوائف والمناطق؟  

- ما مقدار التجربة السياسية لدعاة التغيير وقدرتهم على تشبيك العلاقات مع القوى السياسية الرئيسية في البلد، أو ... التصارع معها؟

- ما هو الموقف من القضايا الكبرى التي تتعلق بالمقاومة والصراع مع العدو الاسرائيلي الذي يهدد السيادة ويمنع لبنان من تحصيل حقوقه النفطية والغازية؟ وما هو الموقف من التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية والتي تأخذ أشكالاً مختلفة وتمنع احياناً اللبنانيين من التلاقي على محاور محددة؟

في العام 2008، وصل المرشح الأسود باراك أوباما الى الرئاسة الأميركية محمولاً على شعار CHANGE الذي عبّأ الناخبين المحبطين بسبب سياسات إدارة جورج بوش الإبن الداخلية وحروبها المكلفة في أفغانستان والعراق، وكان لهذا الشعار فعلٌ ساحر، لكن أوباما اعتمد في نجاحه على خطاب تواصليّ واضح ومحدَّد وقدّم برنامجاً يقود الى عكس المسار المعتمد من قبل إدارة بوش. وفي لبنان، تتوفر أرضية الإحباط لدى الناخبين من السياسات الإقتصادية والفساد المستشري، ويعتقد بعض دعاة التغيير الذين يستحسنون "الستايل" الأميركي أن بالإمكان الرهان على الإعلام والتسويق لتوظيف هذا السخط، لكن لا تتوفر لديهم الرؤى البرامجية والقدرة التواصلية والتجربة السياسية التي تمكّنهم من ملامسة الواقع اللبناني. وهذا الواقع يتطلب الكثير من التواضع في الممارسة الإعلامية- السياسية والإعتراف بوجود قوى أخرى ذات ثقل تمثيلي في البلد بدلاً من شطبها وإختصار اللبنانيين في قوى مستجدّة أو متجددة.

 ويقودنا ذلك الى إستنتاج أن الأزمة في لبنان لن تجد نهاية لها بجولة إنتخابية أو بحصول فريق على الأغلبية، لأن الإنقاذ يتطلب إشراك الجميع في تحمل المسؤولية وإدارة البلد المنهَك. غاية ما هنالك أن الإنتخابات النيابية تعيد تظهير التمثيل الشعبي للقوى المختلفة، وهذا ما ينبغي أخذه في الإعتبار عند تشكيل الحكومة المقبلة وتحديد السياسات العامة.

 

انتخابات 2022

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل