معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

 سوق النخاسة العكاظية
06/05/2022

سوق النخاسة العكاظية

ليلى عماشا

أعلنت صحيفة "عكاظ" عن تاريخ تحرير لبنان من إيران. ١٥ أيار: يوم الانتخابات النيابية المرتقب. كما أردفت ذلك بعنوان فتنوي تحريضي مذهبي: "السّنّة سيهزمون نصر الله".

كتبت الصحيفة ما يشبه دعوة إلى الناخبين للتصويت بكثرة في بيروت. وبطبيعة الأحوال، لـ"عكاظ" السعودية لغة ومفردات يجب اعتمادها لتتحوّل الدعوة إلى مقال صحفي، مدفوع طبعًا. وهذا بالضبط ما اجتهد في استخدامه الكاتب في مقالته "العكاظية": "معركة تحرير لبنان من التسلّط الإيراني"، "قرار السلم والحرب ليس بيد طهران" و"إيران لا يمكن إلا أن تكون خارج حدود لبنان".

العبارات مستهلكة، معروفة المنشأ، تحمل من العبثية ما يكفي لجعل أي ردّ جدّي عليها فعلًا عبثيًّا، لا سيّما مع اعتبار الطرف السعودي جزءًا من مكوّنات النسيج الانتخابي ما يشكّل دليلًا ساطعًا لا يقبل الشكّ على أن لبنان يخضع للاحتلال الإيراني! بالإضافة إلى الخيمة البخارية التي تستقبل زوارها انبطاحًا إذا اصطفوا معتذرين أو راغبين أو راجين عطايا البخاري، والتي بدورها تدلّ بوضوح على تحكّم السفارة الإيرانية بمفاصل الحياة السياسية في لبنان.

 سوق النخاسة العكاظية

المهم، تحدّث الكاتب عن بيروت وأهلها وكأنّه قبل الصناديق ناطق باسمهم وحائز على توكيلهم. يخبر عن نواياهم في ١٥ أيار، بأسلوب أراده شيّقًا كي يحقّق تحفيزًا ما لأهل بيروت، فوقع في شرك اللغة الطائفية بأبشع مستوياتها، وبدا كمن يستخفّ بعقول من يدعي النطق باسمهم حدّ التحدّث إلى السعوديين عنهم وكأنّه يتحدّث عن طفل غير مدرك ينبغي تحفيزه بطريقة ملتوية ليحقق ما يريده وليّ أمره، ويقول باسمهم "لقد تعبنا من التنازلات"! الفادح في الأمر هو أنّه ينصّب مقالته صوتًا باسم السنّة في لبنان، متجاهلًا أنّ "السُنّة" ليسوا خاضعين للترجمة السعودية لِلفظ اسم طائفتهم؛ فالسّنة باللغة السعودية هم حصرًا مَن يوقّعون على بياض لمستندات البخاري وسلمانه. نسي الكاتب أن يذكر هذا التفصيل، بل تناسى لصالح عكاظ وقرائها.

لم يطل الأمر فيه، مضطرًا، قبل البدء بضخ العبارات التي تغازل المزاج السعوديّ، وهل أرقّ وألطف من مغازلة مزاج وليّ الأمر! وضع ثقله اللغوي المستقى من المعجم السعودي في فقرة واحدة: انتخابات ٢٠٢٢ هي لحظة بداية تحرير لبنان من التسلّط الإيراني والتجاوزات الميليشياوية، من تعدّد السلاح. هي معركة التأكيد أن لا سلاح غير سلاح القوى الشرعية اللبنانية، وأن قرار السلم والحرب ليس بيد طهران، وأن بيروت حرّة وستبقى حرة...". إليكم الترجمة:

الشعارات الانتخابية المرتبطة بالوضع المعيشي والقضايا المطلبية وبالأزمة الكارثية التي يواجهها الناس في لبنان هي ديكور تجميلي للشعار الوحيد الذي يخوض هؤلاء لأجله الانتخابات، بعد تعذّر تأجيلها أو إلغائها ضمن سيناريو يظهر وكأن حزب الله وحلفاءه يحتاجون إلى التأجيل والإلغاء. الشعار الوحيد الذي يعملون به والذي يشكل نواة حركتهم هو "ضد سلاح حزب الله" إرضاء للذيل السعودي الخاضع بدوره للرأس الأمريكي. وهنا، يصبح بالنسبة للكاتب كما لسعوده، السلاح غير الشرعي هو فقط السلاح الذي يواجه التكفيريين والصهاينة، أما سلاح القتل في الطيونة على سبيل المثال لا الحصر فهو سلاح شرعي. يعرف هؤلاء أن لا سلطة لإيران في لبنان، وأنّها لو وجدت ولو بنسبة ضئيلة لكان الحال اختلف تمامًا وعلى كلّ المستويات، لكنّهم، بحزن شديد، ملزمون بتكرار ما يريده الأميركيون دون أي تدخّل أو تعديل يحفظ ماء وجه عقولهم التي استباحتها أنظمة الخليج ومرّغت بها الإسفلت في بيروت والرياض وما بينهما.

يستحق هؤلاء كمًّا هائلًا من الإشفاق، فليس هناك حال أسوأ متل التي يضطر فيها المرء إلى التذلّل لولي أمره باستخدام المفردات التي ترضيه ولو اضطر إلى إظهار نفسه لعبة تنطق بما يريده المشغل. يشبه الأمر ببشاعته أن يستعبد أحدٌ أحدًا آخر ويجبره أن يقول "إنه غبيّ" على الملأ، فيضحك المستعبِد والجمهور، وربما يذهب المستعبَد إلى بيته دامعًا: لم يكتفوا بسلب عقلي، بل كرامتي أيضًا.

الإعلامانتخابات 2022

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة