موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

نقاط على الحروف

الضاحية: لن تكتمل الجريمة!‎‎
14/04/2022

الضاحية: لن تكتمل الجريمة!‎‎

ليلى عماشا
لا توجد حتى اللّحظة إحصاءات أو دراسات تقارن بشكل منهجيّ وعلميّ معدّل الجريمة بين الضاحية وسائر المناطق في لبنان، أو بينها وبين سائر ضواحي المدن الكبرى في العالم، مع أخذ المعايير الموضوعية بعين الاعتبار وأبرزها الاكتظاظ السكّاني.

ولمّا لم تتوفّر معطيات موثّقة وموثوقة بهذا الصّدد سنبني على المعطيات التواصلية والافتراضية، ونفترض بدورنا أن معدّل الجريمة (سرقات، نشل، تشليح...) يبلغ في الضاحية معدّلًا أعلى منه في كلّ العالم. وبناء على هذه المعطيات، التي ينخفض احتمال صحّتها ليقارب الصفر والتي تبقى افتراضية حتى يثبت العكس، ينبغي تقييم الوضع، بموضوعية ودون جلد للذات من جهة، وبدون أي مساعٍ إنكارية، أي بدون مكابرة من جهة أخرى.

وعليه، وإن كان الأمر بشعًا وقاسيًا، إلّا أن ارتفاع عدد حالات النشل والسرقة والتشليح والاعتداءات المتنوّعة يخضع لقواعد علمية واجتماعية وسياسية.

علميًا، ينخفض مستوى الأمن الاجتماعي بشكل طبيعي ومتناسب مع ازدياد نسبة التأزّم المعيشي (ولا يعني ذلك أنّ الفقر مدعاة للإجرام)، ويرتفع عدد الجرائم والجنح بارتفاع عدد السكان نسبة إلى المساحة الجغرافية. ومن المعروف أن الاكتظاظ السكاني في الضاحية مع غياب التنظيم المدني يشكّلان عاملًا رئيسيًا في ارتفاع معدّل الجريمة.

اجتماعيًا، تؤثّر قسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية (انخفاض القدرة الشرائية، البطالة، الاحتكار والغلاء الفاحش...) على الأمن الاجتماعي: تنشط العصابات والأفراد الذين يجدون في الظرف أرضًا خصبة لتكثيف نشاطهم الجرمي، ولا سيّما حين يجدون من يبرّر لهم أفعالهم أو يستفيد منها معنويًا. بكلام آخر، المرتكبون الذين يقومون الآن بأعمال السرقة والنشل والتشليح وحتى الاعتداءات التي تصل إلى القتل بداعي السرقة هم أنفسهم من كانوا يقومون بهذه الأعمال قبل الأزمة، إلّا أنّهم يكثّفون اليوم هذه الأعمال ويتوسّعون بها بحجّة الأزمة.

سياسيًا، وفي هذا المجال تحديدًا كثرت الأقاويل والاستثمار في ارتفاع معدّل الجريمة، ولعل الأبرز هنا هو غياب عامل تأمين الأمن الذي يُعتبر من مسؤولية الدولة حصرًا، حتى لو كان حزب الله قد تطوّع مشكورًا في سبيل القيام بهذا الدور في مرحلة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت الضاحية، فقام بكل ما بوسعه تقنيًا وبشريًا لمنع دخول السيارات المفخّخة والعناصر الإرهابية التي تستهدف المنطقة وسكّانها. ونجاحه بذلك بنسبة كبيرة لا يعني أن هذا التأمين يقع على عاتقه في كلّ المجالات ولا سيّما بتلك التي ولو فعل لن ننجو جميعًا من القصف  بالتصريحات "السيادية" الممتعضة المتضمنّة عبارة "دولة ضمن الدولة" بشكل يوحي للسامع أن الدولة تحاول القيام بدورها ولكن الحزب يمنعها!

ومن هنا، يمكن للمرء أن يفترض أنّ تقاعس مؤسسات الدولة المعنية والمسؤولة عن الأمن في كلّ المناطق والمرعية من جهات سياسية مختلفة هو نوع من الكيدية الهادفة إلى تحميل حزب الله مسؤولية الفلتان الحاصل، ودفع الأمور باتجاه أحد الخيارات:

أولاً: يقوم حزب الله بهذا الدور مما يؤدي حتمًا إلى تصادم بينه وبين العصابات المنظّمة الناشطة في المجال الجرمي، وبالتالي توريطه عمليًا في مستنقع متسخ وبعدها اعتباره مسؤولًا عن كلّ ما قد ينتج عن ذلك من مشكلات ممتدّة بحجّة أنّه قام بدور ليس دوره بالأساس.

أما الخيار الثاني فيتلخص بدفع الناس إلى مطالبة حزب الله بتولّي حمايتهم في الشوارع وبين البيوت، واعتبار عدم قيامه بذلك تقصيرًا منه وبالتالي إحداث شرخ بين حزب الله وأهل بيئته.

ويبقى الخيار الثالث وهو أن يقوم الناس بتشكيل لجان أهلية تتكفّل بحراسة الشوارع والسكّان، أي لجان من الأمن الذاتي. والأمر بظاهره بسيط وطبيعي، أما في خلفياته فهو ينطوي على مخاطر كثيرة ومنها تحويل الشوارع إلى ساحات مواجهة يختلط فيها الحابل والنابل وقد تؤدي إلى دم في الطرقات، كما أنّها تشكّل أرضية تُستهدف بسببها الضاحية، بما تمثّل، عبر اتهامها بتشريع الأمن الذاتي مما يتيح ويبرّر تشكيلات مختلفة من الأمن الذاتي في مختلف المناطق.

في كلّ الأحوال، المستفيدون من التفلّت الحاصل بالإضافة إلى المرتكبين المباشرين هم الجهات التي تريد تصوير الضاحية كبؤرة خطرة، أو حتى تحويلها إلى بؤرة أمنية خطرة بداعي استهداف الحزب وبيئته المباشرة.

بالمختصر، لا يمكن الطلب إلى الناس عدم الحديث عن الحال المتدهورة التي أصابت أمنهم اليوميّ وحرية حركتهم وتنقلاتهم بداعي الحفاظ على صورة الضاحية، فالإنكار يزيد الأمر سوءًا ويبعد صاحبه عن الواقعية في مقاربة الأمور، وبالمقابل لا يمكن أيضًا القبول بخلط الأمور وتحويل ملف الأمان المجتمعي المهدّد إلى حجّة لاستهداف الضاحية بكلّ مكوّناتها.

الشيء الوحيد المجدي هو في تصويب المطالبات المحقة بملاحقة المعتدين وتوجيهها إلى المسؤولين الفعليين عن الحفاظ على الأمن ولا سيّما في ما يتعلّق بالجرائم المتزايدة مؤخّرًا، والتي يمكن اعتبارها جريمة واحدة كبرى بحقّ الضاحية وأهلها، يتشارك في ارتكابها طرفان: المنفّذون بأشخاصهم ومَن اتّخذ قرار عزل الضاحية عن حقوقها كجزء من البلد، والأمن أوّل الحقوق.

قوى الامن الداخلياتحاد بلديات الضاحية الجنوبية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل