معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

إعلام بالملعقة الأميركية
26/02/2022

إعلام بالملعقة الأميركية

أحمد فؤاد

يحار العقل في متابعة الإعلام الخليجي، والناطق بالعربية عمومًا، في خضم هذه الفترة الفائرة من عمر الأمة العربية، ومع الأحداث المفصلية في المنطقة والعالم كله. يبدو هذا الإعلام وكأنه اختار العلم الأميركي رداءً، ووصل به الأمر للتعامل مع نفسه وغيره على أنه جندي أميركي، في عصر يراه أميركيًا، ويريده أميركيًا، ويحسبه أميركيًا حتى نهاية المدى.

في أسبوع واحد دخلت الأزمة الروسية - الأميركية بشأن أوكرانيا مرحلة السخونة الشديدة، ووسط التفاعلات الدولية الحادة على قمة المسرح، دشن سماحة السيد حسن نصر الله وحزب الله مرحلة جديدة من الفعل العربي ضد الكيان الصهيوني، فعل مذهل بواسطة الطائرة "حسّان" التي طارت فوق كيان العدو وعادت أدراجها، لتكشف عن توازن جديد بين العدو وبيننا، حيث لم تعد السماء حكرًا عليهم، ولا ملكية كاملة لعربدتهم.

مشهد طائرة المقاومة فوق سماء فلسطين وضع، كما كل خطوة جديدة من حزب الله، لافتة جديدة في الصراع العربي - الصهيوني، وكتب صفحة جديدة من المجد والإنجاز، صفحة تحوّل البلاء إلى منح إلهية، ودماء الشهداء من محن للقلوب إلى آمال منيرة على طريق التحرير الكامل والنهائي.

في وسط هذا كله، كان الإعلام العربي تائهًا، فهو يلعب بالطريقة الأميركية في أزمة أوكرانيا، ويحاول تمرير خطاب لا يجرؤ حتى سياسي أميركي أن يتبناه في مواجهة أي جمهور، والهدف إدانة روسيا التي تدافع عن أمن حدودها من رغبة أميركية في نصب صواريخ في أوكرانيا، بينما التحرك الأميركي إلى خارج القارة والحدود، وبعيدًا عن أي تعهد أو مسؤولية، صار هو المنطقي والطبيعي، والأمر الوحيد المفهوم!

وأي قراءة واعية لما يحدث على الأرض في أوكرانيا، تقول أولًا إن من نزع فتيل الأمان من الموقف كله كان التصرف الأميركي بمحاولة الوصول إلى حدود روسيا، ونصب صواريخ استراتيجية قريبة من قلبها. وثانيًا فإن التصرف الروسي جاء ردًا على الخطوة الأميركية. وثالثًا فإن ما جرى من عمليات عسكرية كان أشبه بالجراحة السريعة لا بالقتل، وللمقارنة يمكن العودة للقصف الأميركي لأفغانستان أو العراق أو الصومال أو اليمن، أو أو.. حين كان السلاح الذي أسموه ذكيًا لا يستهدف سوى المدنيين ولا يحرق سوى الأطفال والنساء.

ثم إن أي تحليل بعد القراءة، يقول إن الموقف كله يقتطع من الهيبة الأميركية، ومن النفوذ ومن إمكانيات التدخل أمامها مستقبلًا، ويمنح هذا الجزء من العالم الفرصة للتنفس بعيدًا عن اليد الأمريكية التي تطبق في إصرار على العنق العربي. لسنا في مرحلة بناء عالم جديد متعدد الأقطاب بعد، لكنها خطوة ضمن خطوات كثيرة تضمن تقليل مساحات انفراد واشنطن بشؤون العالم وما كان يجري من تأميم لأزماته.
في وسط هذا كله، كان إعلامنا غريبًا، يستدعي أحقر ما في الترسانة الأميركية من ذخيرة، ليدعم موقف واشنطن ببث الفتن وإشعال النيران في كل مكان، يدافع عن بايدن، ويهاجم بوتين، وفي القلب يزيد من مساحة التدني واللجوء للسخرية والتغييب، أمام حدث فارق وكبير.

في كل ما يجري، فإن الفضائيات العربية، الممولة خليجيًا وصاحبة الولاء الخليجي، لا تفعل أكثر من استنساخ نموذج إعلامي ساقط، نموذج مهتز ومشكوك فيه لدى من اخترعه واستخدمه، لكنه لا يزال قادرًا على الخدمة لدى الأنظمة العربية المذعورة من التراجع الأميركي، المساوم والمستمر.

منذ نهاية الحرب الباردة، واستفراد الولايات المتحدة بالقمة الدولية، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، كانت محطات التلفزة الأميركية تنقل على الهواء أحداث الانهيار من موسكو، وتستضيف من المحللين والخبراء من يقومون، نيابة عن المشاهد، باستخلاص الدروس والنتائج، في أخبث دعوة لوقف العقل وتعطيل التفكير، فالبرامج تقدم الوجبة المتكاملة المطلوبة لمشاهدها، بالملعقة السحرية، في عملية أشبه بإطعام طفل، لا نقل حدث لمشاهد يتفاعل ويفكر ويبني على ما يرى خياراته ومواقفه.

كان الإعلام الأميركي يرسم بدايات عصر القوة الواحدة المسيطرة، القطب كلي الهيمنة والجبروت، وبعبارات موجزة وأفكار معلبة كانت الرسالة تنطلق بألوان زاهية إلى المشاهد، الذي تحوّل إلى مستهلك يبتلع كل ما يقدم إليه من عبارات رنانة، تعد الناس بالرحيق، ولا تمنحهم سوى شحنات متتالية من التخدير، عهودًا بغير تحقق ووعودًا دون وفاء، لتتحول مهمة الإعلام إلى إعلان بشكل نهائي.

بهذه الملعقة نفسها نقلت إلينا القنوات الفضائية حادثة الطفل المغربي الراحل ريان، كل القنوات كانت في موقف الحدث، تنقل كل كبيرة وصغيرة توافق رسالتها وتدعمها، والمطلوب النهائي من مشاهدها هو ابتلاع الموقف كله، والخروج بالنتيجة الوحيدة التي تلح عليها الشاشات ومن ورائها، الإحباط الكامل والإيمان بعجزنا وفشلنا كعرب، مهما حاولنا ومهما بذلنا من جهد.

مع التبعية الكاملة للأنظمة العربية العمياء للأميركي المهزوز، فإن الدور المخرب لصانعي الرأي العام العربي يقفز مرة أخرى إلى الواجهة، مع التنفيذ الكامل للإستراتيجية الأميركية، من الإعلام إلى الفن والثقافة والأدب، والعمل بدأب وإصرار غريب على نشر التفاهة والسطحية وضحالة الفكر والفشل وإشاعة الفكر الاستهلاكي المدمر، حتى فيما يخص قضايا دينية ووطنية وقومية لا تقبل كل هذا العبث الأميركي بمستقبلنا.

الإعلام والاتصالاوكرانيا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة