معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

توابع آل سعود: "طليحات" النفط ومسيلمة
17/01/2022

توابع آل سعود: "طليحات" النفط ومسيلمة

ايهاب زكي

لا يوجد مسيلمة واحد في التاريخ، بل لكل زمان مسيلمة، ومسيلمة زماننا الحاضر هو النفط. وقد فعل النفط ما فعل مسيلمة، حيث سخّر الكثير ممن كانوا صحابة، كالنهار بن عنفوة، وأصحاب الرأي كطلحة النمري، وقد أصرّ طلحة على سؤال مسيلمة قبل أن يؤمن به، فسأله عن آية نبوته، فأجاب مسيلمة، فقال طلحة بعد سماع الإجابة "أشهد بأنك كاذب، ولكن كذاب ربيعة -مسيلمة- أحبّ إلينا من صادق مضر -محمد(ص)-". وأصبح طلحة من دعاة دين مسيلمة ونبوته، رغم يقينه المطلق بكذبه. وطلحة هذا هو كل المروجين لدين النفط وكل الداعين له، وهو كل الواقفين على أعتاب مسيلمة العصر، ينتظرون منَحه وأُعطياته، حيث لا يمكن لعاقل مهما أوتي من فقرٍ عقلي، أن يكون مقتنعًا بأن استدراج صحفيٍ موالٍ، إلى قنصلية بلاده، ثم تقطيعه بمنشار، ثم حرق جثته أو تسييلها في مجاري الصرف الصحي، سيان، أنّ هذا عمل خيرٍ من مملكة خير، ولا يمكن لعاقل أن يصدق أن حرب الإبادة ضد شعبٍ عربيٍ في اليمن، هو عمل خير لمملكة خير، أو أنّ تدمير سوريا وقتل شعبها وتشريده هو عمل خير لمملكة خير، أو أن تدبير التفجيرات في بيروت ودمشق وبغداد، ودعم الإرهاب من "القاعدة" إلى "داعش" إلى "النصرة" إلى كل تنظيم اتخذ من الوهابية دينًا جديدًا، هو عمل خيرٍ لمملكة خير، أو أنّ النقيض بنشر التهتك والمجون والفجور هو عمل خيرٍ لمملكة خير، أو أنّ شيطنة ومهاجمة ومعاداة واستهداف الطرف العربي الوحيد الذي أذلّ "إسرائيل" وكسر هيبتها، وهو حزب الله، هو عمل خيرٍ لمملكة خير، ومئات الأفعال على مدى تاريخ تلك العائلة مما تستهجنه حتى الأبالسة، ومما لا يحيط به البحر مدادًا والشجر أقلامًا، هي أفعال خيرٍ لمملكة خير.

ولكن "طليحات مسيلمة" هذا الزمان، أسوأ بمئات المرات من طلحة ذلك الزمان البعيد، حيث إن طلحة تجرأ وسأل مسيلمة عن آيته، ثم جابهه بكذبه وصارحه بخبثه، واتبعه طمعًا لا تصديقًا، بينما طليحات هذا الزمان، لا يجرؤون حتى على رفع البصر أمام النفط  -مسيلمة العصر- كما إنّ طلحة تعامل مع مسيلمة كنبي في العلن، بينما طليحات هذا الزمان يتعاملون مع النفط باعتباره إلهًا في السر والعلن. كما أنّ مستشاري مسيلمة كطلحة والنهار لم يشيروا عليه بشتم محمد(ص)، بل بادعاء مقاسمته النبوة، وبمجاراته في معجزاته، أيّ أن يأتي مسيلمة بذات معجزات النبي(ص) في محاولة تقليده، فهل يستطيع طليحات زماننا أن يشيروا على مسيلمتهم باتباع نهج حزب الله في النصر على "إسرائيل" مثلًا، أو باتباع نهج سوريا بالتمسك بالحقوق العربية؟ لكنهم لا رأي لهم ولا وزن، ويحترفون الشتم ليس إلّا، حتى أصبح الشتم هو البرنامج الانتخابي الوحيد، شتم لا يعتمد على أيّ منطقٍ أو برهان، وافتئات وتزوير وكذب لا يشبه سوى مؤتمرات المتحدث العسكري السعودي، تجمع بين السذاجة والكذب على الجمهور والاستخفاف بعقله، وهذا الأسلوب لا يهدف سوى لاستفزاز الحزب وجمهوره، من خلال تنميطهم حينًا وتفريسهم حينًا آخر، والمسّ بكراماتهم الشخصية والوطنية والقومية والدينية أحيانًا. وهذا الاستفزاز هو جزء من عملية استدراج لتنفلت الألسنة من عِقالها، أو يتفلّت السلاح من مناقبيته وخُلقه وأهدافه. واستدراج الألسن، يخدم نظرية المستنقع، فيصبح الاختلاف بين محمد(ص) ومسيلمة مجرد وجهات نظر، وليس صدقًا أبلج وكذبًا لجلجًا، فتصبح معاداة "إسرائيل" والهيمنة الأمريكية وجهة نظر، تقابلها وجهة نظر التبعية والاستسلام والانبطاح، بل يصبح الاستسلام جالبًا للمنفعة دارئًا للمفسدة.

الإنسان الفرد الذي يتعرض لأقسى أنواع الضغط والاستهداف، لا يمكن اعتباره منظومة متكاملة، تعمل برؤية استراتيجية وضمن شروط خطتها لنفسها، تلزم نفسها بها قبل أن يلزمها الآخرون، ولا يمكن التعامل مع الفرد باعتباره منظومة أو التعامل مع المنظومة باعتبارها فردًا قال رأيًا على صفحته الشخصية، أو ساورته تحت الضغط الشديد فكرة التلاسن أو حتى التلاعن، كما أنّ الفرد مهما كان ملائكي النزعة، فلسعات الشياطين مؤذية، لذا قد يكون التعبير عن الألم صادمًا في بعض الأحيان، ولكن بكل الأحوال لا يمكن اعتباره ألم منظومة، حيث إنّ تألم المنظومة يتم التعبير عنه في السياسة، بردع العدو وحفظ ثروات لبنان والحفاظ على دماء شعبه وأعراضهم، لا على صفحات التواصل.

أمّا استراتيجية الشتم فلن توقف تدفق المازوت، ولن توقف خط تدفق المواد الطبية أو الغذائية فيما لو قرر حزب الله تفعيله، ولن توقف قدرة الحزب على ردع "إسرائيل"، ولن توقف إرادة مجابهة الهيمنة الأمريكية والنهب الغربي، وأخيرًا لا نريد من طليحات عصرنا سوى الارتقاء لمستوى طلحة ذلك الزمان، وهذا خيرٌ لأنفسهم، أمّا النفط مسيلمة فلا نطلب منه شيئًا، لأنّ معجزاته في الإرهاب والقتل والرشوة والانصياع والتبعية، تجعلنا نؤمن بالقطع، بأنّه كبير رُسل الشيطان الأكبر.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف