معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

مهزلة الجوائز الأميركية: مَن يكرّم مَن!‎‎
10/12/2021

مهزلة الجوائز الأميركية: مَن يكرّم مَن!‎‎

ليلى عماشا

وإذا جاءكم خبرٌ عن جائزة، فانظروا إلى مَن يكرّم مَن، فإن كان جوابُ أوّل مَن أميركا، فقهقهوا، ولا سيّما إن كان موضوع الجائزة متعلّقًا بمكافحة الفساد الذي وضعت أميركا بنفسها خرائطه العالمية وقواعده الدولية، أو بحريّة التعبير التي اعتاد الأميركيون ممارستها قتلًا واحتلالًا ونهبًا وإرهابًا.

يشبه الأمر إلى حدّ بعيد أن يقوم زعيم عصابة متخصّصة بسرقة بيوت الفقراء بمنح جائزة لأحد أفراد عصابته تكريمًا لعطاءاته في مجال مساعدة الفقراء عبر التقليل من مقتنياتهم كي لا يربكهم ثقلها إذا انتقلوا من بيت إلى آخر. المشكلة أنّه على الرغم من وضوح الصورة، يمكن أن تجد بعضًا من هؤلاء الفقراء مصفّقًا للفرد الذي مُنح الجائزة، مثنيًا على جهوده، مبديًا كلّ ثقته بالجهة المانحة.

بكلّ الأحوال، لا ضير بأن تفرح مؤسسة-أداة، أو فرد-تلميذ بنيل جائزة من المشغّل والمعلّم، ولا بأس بأن يُصوّر الأمر وكأنّه إنجاز في ظلّ أزمة الإنجازات العابرة للمتأمركين في لبنان، وأيضًا يمكن للمشاهد أن يغضَّ النّظر عن الجهة المانحة التي اعتادت تكريم أدواتها بالجوائز الرخيصة ذات العناوين الفضفاضة والتي لا تغيّر في صورة حامليها للحظة، فلا رياض سلامة أفضل حاكم مصرف ولو سُميّ كذلك ألف مرّة ولا بيطارهم قاضٍ نزيه ولو حشد له الكونغرس أسطول طائرات تستعرض في السماء أحرف اسمه مع قلب كبير علامة الحبّ الأميركيّ الصافي. لكنّ لا بدّ من الوقوف عند بعض الملاحظات التي وجب على المتأمركين أخدها بعين الاعتبار كي تكون عناوين جوائزهم أكثر انسيابية نحو واقعهم، ولو كذبًا. بكلام آخر، ماذا لو كفّ الجميع عن  الاستخفاف بعقول الناس وعملوا على صياغة الأكاذيب باحتراف أكبر، بحيث لا تُمنح جائزة "حرية التعبير" لمؤسسة تطرد ضيفًا من استديوهاتها تنفيذًا لرغبة السفير السبهان، على الأقل كي لا تصير الجائزة وطرفاها مضحكة الموضوعيين والحياديين وأصحاب الموقف على حدّ سواء، وبحيث لا تُسمّى جائزة باسم مكافحة الفساد فيما، "على عينك يا تاجر"، تقوم الجهة المانحة بدعم وتمويل وحماية وتحصين كلّ فاسد على اعتباره أداتها العلنية ووسيلتها المحلية للحصار.

في ظلمة الأزمة اليوم، مرّ خبر الجوائز الأميركية كفسحة من كوميديا نحتاجها من حين إلى آخر. بعيدًا عن جذرية الموقف الذي يضع ألف علامة استفهام حول كلّ من تكرّمه أميركا، يبقى التساؤل حول دونيّة من يرون فيها جهة يحق لها التصنيف ووضع المعايير ومنح الجوائز تساؤلًا مشروعًا. فالحلم الأميركيّ انطفأ حتى في عيون المواطنين الأميركيين، وكذبة قيادة العالم إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وحريّة الرأي انكشفت حتى بالنسبة لمن تورّطوا بتصديقها يومًا، وما بقي منهم إلّا من حوّله التصديق إلى أداة لا تمتلك حقّ البوح بما عرفت. ربّما لم يعد هؤلاء يستحقون سوى الإشفاق، والتمنيات بالشفاء العاجل، الشفاء الذي يكفل لهم صحة العقل بما يتيح لهم على الأقل نعمة الامتناع عن التبريك بجائزة أميركية.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف