معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

الـ NGOs بين المفهوم والشبهات
26/09/2021

الـ NGOs بين المفهوم والشبهات

د.علي.إ. مطر
تجتاح عالم اليوم لا سيما في دول العالم الثالث ظاهرة ما يعرف بالمنظمات (الجمعيات) غير الحكومية "NGOs"، والتي تنشأ عادة إبان حصول أزمات وكوراث في بلد ما، ما يساعد على طفرة هذه المنظمات (الجمعيات) تحت مسمى المساعدات، ويرافق ذلك تدخلات وولاءات سياسية واقتصادية واجتماعية تبرز في عملها، وفي المحافل والمؤتمرات الدولية التي تشارك فيها.

حتى الان ثمة اجتهادات ومحاولات عدة لتعريف هذا المفهوم واستخداماته كمصطلح وما ينبثق عنه من جمعيات، إذ يتراوح هذا الاختلاف حتى بالتسميات بين منظمات المجتمع المدني، أو المنظمات غير الحكومية، أو المجتمع المدني وما إلى هنالك، وكيفية تمييزها عن الدولة ومؤسساتها، علماً ان هذه المنظمات (الجمعيات) يجب أن تكون تحت حكم القانون وسلطة الدولة، لذلك فإن الالتباس والخلط حصل بين المجتمع المدني كمفهوم عام وشامل وأساسي في كل دولة وبين هذه الجمعيات التي قد تولد من رحم هذا المجتمع ومن ثم تستغله كغطاء لعملها، لذلك لا يزال هذا المصطلح مفهوماً بحاجة الى التعريف الدقيق وإبعاده عن الشبهات.

في تعريف المصطلح

يستخدم المجتمع المدني كمفهوم يميز ما بين الدولة من ناحية وبين التجمعات الخاصة من ناحية أخرى. منذ حقبات تاريخية طويلة وهذا المصطلح يأخذ نقاشاً حاداً ورواجاً في التعريفات السياسية والاجتماعية التي بدأت تأخذ سياقاتها خاصةً داخل أروقة الأمم المتحدة، إبان الحرب الباردة، ومع ذلك لا يزال في كل دولة على حدة يكتنف هذ المصطلح الكثير من الغموض نتيجة الخلط الذي يحصل عادة بين المجتمع المدني بشكل عام والجمعيات التي تنبثق عنه.

من أخطر التعريفات حوله، يقول "غوتييه پيرُت" إن "مفهوم المجتمع المدني في سياسات وممارسات التنمية ظرف فارغ يُملأ بمعانٍ معينة تبعاً للجهات التي تستخدمه وسياقات استخدامه الاجتماعية والثقافية"، ما يثير المخاطر حول التعامل معه، فيما يقول "دومينيك كولا" إنه "يشكل بطاقة تعريف لجميع أنماط الجمعيات".

أما المفكّر الشيوعي الإيطالي "أنطونيو غرامشي"(1891- 1937)، فقد رأى أنّ "المجتمع المدني" مجموعة من التنظميات الخاصة، والتي ترتبط بوظيفة الهيمنة وبصفتها جزءًا من البنية الفوقيّة عن طريق الثقافة والإيدولوجيا والسيطرة والإكراه، فلم يعد هذا المجتمع فضاءً للتنافس الاقتصادي أي للصراع الطبقي، بل هو فضاء للتنافس الأيديولوجي".

وفي المقلب الاخر اعتبرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) أن المجتمع المدني "يُعرَّف بأنه منظمات غير حكومية يمكنها (أو لديها القدرة على) الدفاع عن الإصلاحات الديمقراطية".

أما البنك الدولي فتبنّى من جهته تعريفاً للمجتمع المدني حيث يشير "إلى مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجودٌ في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية".

جمعيات في إطار قانوني

هذه الجمعيات غير الحكومية هي تنظيمات للأفراد، وليست من أشخاص القانون الدولي، وإنما تخضع للقوانين الداخلية للدول، وهي تنشأ في ظل القانون الداخلي لدولة ما ويحكمها ذلك القانون في سلوكها وتصرّفاتها فيضفي عليها الشخصية القانونية الداخلية. ونظراً لازدياد دور الهيئات غير الحكومية في العالم, في برامج الطوارئ والاغاثة والانماء، أقرّت معظم الدول الصناعية تشجيع الهيئات غير الحكومية وتطويرها، وسنت قوانين تعتبر دفع التبرعات والمساعدات للهيئات غير الحكومية بمثابة وأهمية تسديد الضرائب للدولة.

في ضوء هذا الدور، نظّمت الدول الغربية وشركاتها متعدّية الجنسية "منتدى المنظمات غير الحكومية" في فيينا عام 1993 الذي أصدر إعلان فيينا و"خطة العمل".  وأقرّت الأمم المتحدة تشريع دور الهيئات غير الحكومية، واعترفت بها كشريك فعال إلى جانب الحكومات ومنظمات الأمم المتحدة. كما أن السوق الأوروبية المشتركة أنشأت إطارًا تنسيقيًا CEEONG مع الهيئات الأهلية.

وفي هذا الاطار أقرّ "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في الأمم المتحدة عام 1996 قانوناً يتيح توظيف أعضاء المنظّمات بصفة "مستشارين" مقابل عقد عمل و"بيع خدمة". وعلى ضوء هذا "التطوّر"، استقطبت مؤسسات وهيئات أخرى "التعاقد" مع المنظمات "غير الحكومية" مقابل ميزانية "أداء خدمة" تتضمّن تكاليف العمل وثمن "الخبرة التقنية". كما أن هناك تعاونًا بين هذه المنظمات وصندوق النقد والبنك الدوليين ما يثير أسئلة كبرى عن ولاءاتها وتمويلها.

طبيعة العمل والدعم

تلتقي جميع المنظمات غير الحكومية في مساعدة العالم الثالث حيث تساهم كل منظمة حسب وسائلها ومجال اختصاصها. وغالبًا ما تبدأ الأعمال في الأزمات (انفجار عنيف ـ إعصار ـ هزة أرضية) لكنها تتواصل على المدى الطويل. وتغيَّر شكل المساعدة التقليدي الذي كان محصورًا في إمدادات القطاع الزراعي وميدان التنشئة والتربية والصحة، واتسع ليشمل ميدان العمل الحرفي وتحويل السلع الصناعية الصغيرة إلى تجارية، وميدان البيئة وتنظيم المدن والعمل المصرفي، وتمويل بعض المشاريع.

جميع مؤسسات الدول الغربية والأمم المتحدة، تستعين بالمنظّمات "غير الحكومية" في دول الجنوب بصفتها "شخصية معنوية" قادرة على "بيع الخدمة" مقابل "التكاليف والاتعاب" التي تدرجها المنظّمة في نشاطها. فمنظمة التنمية الأميركية توظّف "مهنيين" من أعضاء المنظمات. ومعهد الديموقراطية الاميركية يوظّف شخصيات معنوية و"خبراء". والمنظمة الاقتصادية الأوروبية تشتري "الحرفة" وتتعامل كما تتعامل هيئات الأمم المتحدة في برامج "الألفية" والتنمية المستدامة وحقوق الانسان وحماية البيئة.

هذا الدعم للمنظّمات غير الحكوميّة، بذريعة تعزيز المجتمع المدني، لم يكن مجرّد دعم ماليّ لمشاريع التنمية التي تعدّ المنظّمات غير الحكوميّة منفذة لها؛ بل أُعتمدت سياسة تحديث تسمّى "التّمكين"، تجسدت في الدورات التدريبيّة التي دعا إليها "الشركاء" الغربيون قادة المنظّمات غير الحكوميّة المحليّة، وكان من شأنها تعزيز العلاقة الزبائنيّة التي ترسّخ تبعية هذه الجمعيات للممولين الغربيين.

ومن المعروف أن الطرف الأكثر استخداما واستفادة من هذه الجماعات هي الولايات المتحدة الأميركية. وقد وجدت الإدارات الأميركية في المساعدات الخارجية سبيلاً لتحقيق أهدافها التوسعية في العالم، وقدرت بشكل دقيق أن شراء الحلفاء يكون من خلال مساعدتهم على الخروج من الكوارث التي حلت بهم بعد الحربين العالميتين، وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية.

وتحت عناوين وعبارات رنانة تعمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "USAID" على تغيير موازين القوى في مختلف الدول. تعمل المنظمة المنتشرة في عدد كبير من الدول وخاصةً النامية منها، تحت غطاء "الإغاثة في حالة الكوارث، الإغاثة في حالات الفقر، التعاون التقني في قضايا عالمية، مصالح الولايات المتحدة الثنائية، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، البيئة"، من أجل تغيير الحكومات التي تناهض السياسة الأميركية أو تختلف معها.

تتنوع المساعدات التي تقدمها "USAID" : المالية والتقنية والمشورة والتدريب والمنح الدراسية والبناء وتوفير السلع المتعاقد عليها أو المشتراة بواسطة USAID والتي تقدمها كعينات للمستفيدين. وتستكمل المساعدات التقنية المقدمة لجامعات الدول النامية بمنح دراسية في الجامعات الأمريكية بما فيها تأسيس شراكة مع الجامعات الأمريكية وذلك لتعزيز التدريب المهني في الخارج. وهنا تكمن الخطورة حيث يتم تخريج جيل كبير من الشباب يعمل لمصلحة واشنطن لتغيير سياسات الدول التي تتلقى المساعدة. أما المساعدة المالية فتتضمن توفير النقد لمنظمات الدول النامية لدعم ميزانياتها. كما توفر وكالة USAID المساعدة المالية للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية التي تقدم بدورها الدعم التقني للدول النامية.

المنظمات غير الحكومية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل